والحبشة ضائعة بين الأوثان المستعارة من الحضارة تارة ومن الهمجية تارة، وبين التوحيد الذي هو ضرب من عبادة الأوثان ... ثم هي بعد هذا التشويه في الدين، ليست بذات رسالة في الدنيا ولا بذات طور من أطوار التاريخ ... فليس لها عمل باق في سجل الأعمال الباقيات.
عالم يتطلع إلى حال غير حاله ... عالم يتهيأ للتبديل أو للهدم ثم للبناء.
أمة
وبين هذه الدول المتداعيات، أمة ليست بذات دولة، ولكنها تتأهب لإقامة دولة ... هي أمة العرب وقد تيقظت لوجودها وشعرت بمكانتها، كما شعرت بالخطر عليها وبمواضع النقص منها.
في أيديها تجارة العالمين كلها ...
فإذا سارت القوافل من خليج فارس إلى بحر الروم، فهي تسير في البادية بين حراس من العرب لا سلطان عليهم للدول المتداعية ... أو هم قد شعروا بذلك السلطان حينا في إبان الصولة الرومانية والصولة الفارسية، ثم علموا أنهم مالكون لزمامهم، يرضون فتتصل الأرزاق بين المشرق والمغرب، وبين المغرب والمشرق، ويغضبون فتبور التجارة وينضب المورد وتكسد الأسواق.
وإذا سارت القوافل من اليمن إلى الشام أو من بحر القلزم إلى بحر الروم، فهي في جيرة الأعراب من كلتا الطريقين.
أمة تيقظت لوجودها، وعرفت شأنها بين من يحدقون بصحرائها ... ثم رأت هؤلاء المحيطين بها يجورون عليها، ويريدون إخضاعها وابتلاعها ...
فهرقل الرومي يرسل إلى مكة من يحكمها، وأبرهة الحبشي يزحف إلى مكة بمن يهدم كعبتها ويستبدل بها كعبة غيرها، وفارس تطغى على شرق البلاد وعلى جنوبها ...
خطر من خارجها، يزيد الأمة يقظة وانتباها لوجودها ...
Bog aan la aqoon