76

أو ساحات المباراة في «الألعاب الرياضية»: إنما تبدأ فيها المباراة باتفاق الطرفين ...

ولكن خالدا ضرب ضربته الأولى في الجموع العربية، فقتل قائدها وأثخن القتل في صفوفها، وثار الفرس إلى السلاح مكرهين؛ لئلا يمهلوا خالدا حتى يفرغ من الجموع العربية ويتحول إليهم بين لحظة وأخرى.

فثبتت الجموع العربية حين أسعفتها النجدة، وثبت الفرس وطال بهم الثبات لعلمهم أنه صبر ساعات ثم يدركهم قائدهم الكبير، وابتلي المسلمون من هؤلاء وهؤلاء ببلاء لم يعهدوه من القوم قبل ذلك اليوم، فاشتد الأمر بخالد وثاب إلى الله يستلهم العزم للمسلمين وينذر له الضحايا إن منحة أكتاف أعدائه، «فلا يستبقي منهم أحدا يقدر عليه حتى يجري نهرهم بدمائهم» ... وفي هذا النذر بقية من البدوية المخزومية لا تخفى على اللبيب.

وطال صبر الفرس فنفد ...

وتساقط رءوس العرب الموالين لهم فجزعوا ...

ولاحت لخالد لوائح النصر الذي سأله الله، فلم ينس نذره ونادى في المسلمين: «الأسر ... الأسر ... لا تقتلوا إلا من امتنع»؛ لأنه نذر ليجرين النهر بالدماء، فليجر إذن بالدماء.

وأمر بضرب أعناق القوم في النهر وقد حبس ماءه، فلم يجر بالدماء! لأن الدماء تترقرق ولا تسيل ولو قتل أهل الأرض، كما قال له أصحابه ... فأطلق الماء فسال بالدم أحمر قانيا ثلاثة أيام. •••

وحمادى ما يقال في الاعتذار لخالد من هذه النقمة المفردة في تاريخه صدر الإسلام أنها كانت شرعة الحرب في تلك الأيام، وأنه كان يدين بها أناسا صنعوا بالملل الأخرى مثل ما صنع بهم في هذه المعركة، وعاملوا أسرى الحرب ومن لم يحاربوهم قط مثل هذه المعاملة في حروبهم مع العرب والدولة الرومانية، وأن خالدا حسب أن هذه الذبائح قربان إلى الله ... ودماء المشركين أشبه القرابين بميادين الحروب، وهو حسبان يوائم صرامة طبعه ويحيك في صدر رجل الحرب وسليل رجال الحرب منذ أمد بعيد، وأكبر الظن عندنا أنه لو كان قائد الجيش رجلا ممن طالت صحبتهم للنبي - عليه السلام -كأبي عبيدة أو سعد بن أبي وقاص أو عمر بن الخطاب لتوسل إلى الله بغير هذه الوسيلة حين أزم الموقف وجد الجد في معركة «أليس» ... فقد صفح عمر بن الخطاب عن أسرى السواد وظفر المسلمون بألوف الأسرى في معارك العراق والشام ومصر، فسرحوهم وعاملوهم بحكم الأسرى في القرآن الكريم، وقد اختلف فقهاء المسلمين في جواز قتل الأسرى من غير مشركي العرب، فلم يجزه من أجازه منهم إلا لحسم مادة الفساد، إن خيف ألا تحسم بغير هذه الذريعة، وقد كانت مادة الفساد في أعقاب الدولة الساسانية خليقة - ولا نكران - بضربة من أمثال هذه الضربات ... فقد أعيت فيها الحيلة من دعوة وإقناع ومصابرة، وكانت النكبة بدوام هذه الدولة أشد على الفرس أنفسهم من نكبة القتلى في تلك المعركة الشعواء، وهي في غرابة صروفها أدنى أن تحسب من معارك الأقدار، وتلك هي المعارك التي يراد فيها الغالب والمغلوب على الأمر، ولا يريدان فيه.

وقديما علمنا من طوارق الحرب والسلم أن الشر المحض والخير المحض في هذه الدنيا عزيزان أو مستحيلان، فهذه النقمة الخالدية جاءت على غير المألوف في حروب صدر الإسلام، ولكنها عجلت بختام عهد موبوء كان لا بد له من ختام، فخلعت القلوب وصكت الركب وزلزلت سلطان الطغاة في بلاد الفرس بل في بلاد الروم، وكان من جرائها أن الأمصار التي كانت تفزع من حصار خالد لها كانت تلقي بأنفسها في أحضان غيره من قادة المسلمين، كما أسرع أهل دمشق إلى ابن الجراح يلتمسون مصالحته؛ مخافة الفتح عنوة على يد ابن الوليد. •••

كانت هذه الوقائع تتوالى يوما بعد يوم وتتوالى معها البرد

Bog aan la aqoon