يوما في مجلس عمر وزياد بن سمية
16
يتكلم، وهو يومئذ شاب، فأحسن - كعادته - في مجال الخطابة والمشورة، فأعجب به عمر، وهتف به: لله هذا الغلام! لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه.
وكان علي بن أبي طالب إلى جانب أبي سفيان، فمال إليه هذا، وهمس في أذنه كلاما، فحواه أنه يعرف من أبو ذلك الغلام من قريش. قال علي: فمن؟ قال: أنا. قال: فما يمنعك من استلحاقه؟ فهمس له: أخاف هذا الجالس أن يخرق علي إهابي.
17
وخليق بمثل هذا الرجل ألا يكون له شعار غير شعار الجند حيث كانوا: الأمر هو الأمر، والطاعة هي الطاعة.
وخليق بالناس أن يفهموا ذلك عنه بغير بيان، لا سيما إذا فهموا قبل ذلك أنه متى وجبت الطاعة، كان هو أول من يطيع. ذلك هو الجندي المطبوع.
جندي من جنود الله في معترك الحق والإيمان. وإذا استوفينا المثل إلى أقصاه، فالقانون المطاع هو القرآن، والقائد الأعلى هو النبي الذي يوحى إليه، وليس أحد بعد ذلك أكبر من أن يطيع. يأمر الله فالطاعة واجب لا هوادة فيه، ويأمر القائد الأعلى فقد يراجعه من دونه، ويرتفعان معا إلى القانون؛ لأن الطاعة لا تمنع المراجعة والمشاورة، ولكنها تمنع التمرد على القائد الأعلى، وإنكار سلطانه حينما استقر على قرار، فإن رجع القائد عن أمره فحسن، والمراجعة إذن خير لا ضرر فيه، وإذا مضى في أمره فلا خلاف إذن فيما يجب، فالذي يجب إذن واحد، وهو أن يطاع. كذلك راجع عمر النبي في مسائل شتى، فأخذ النبي برأيه في بعض هذه المسائل وخالفه في بعضها، فلم تكن طاعته فيما خولف فيه أقل ولا أضعف مما وفق عليه.
وكذلك راجع الخليفة أبا بكر في كبريات المسائل وصغارها، فكان أبو بكر يثوب إلى رأيه
18
Bog aan la aqoon