أو قل إنها هي النفس القوية في دفعاتها، وفي ضوابطها على السواء.
ورب نفس من ضعف الدفعة بحيث يقمعها أهون ضابط يسيطر عليها، فأما الدفعة التي لا يقف في طريقها إلا ضابط أقوى منها؛ فتلك هي الطبيعة الحيوية المضاعفة، وليست هي الضعف الذي يتراجع لأهون مراجعة.
نذكر هذا وينبغي أن نذكره ولا ننساه؛ لأن الفرق بين الإيمان الذي يكبح الهزيل المنزوف الحياة، وبين الإيمان الذي يكبح القوي الجياش فرق عظيم.
ولم يكن عمر معرضا عن زخارف الحياة لهزال كان في دواعي الحياة فيه، وإنما كان معرضا عنها لأنه كان قادرا على الإعراض غير ممتحن به في إرادة ولا عزيمة.
وكان معرضا عنها لأنه صاحب حيوية غير الحيوية الجسدية الموكلة بالسرور والمتاع.
فمن الواجب إذا ذكرنا الحيوية وضعفها وقوتها، أن نذكر أبدا أنها حيويات متعددة وليست بحيوية واحدة.
حيوية الروح، وحيوية الخلق، وحيوية الذوق، وحيوية العقل، وحيوية الجسد، وغير ذلك كثير مما يتداخل بين هذه الحيويات.
فليس من الضروري إذا رأيت رجلا قليل الاشتهاء لمتعة الأجساد أن تحكم عليه بضعف الحيوية، فربما كانت له حيوية أخرى تملأ ألوفا من النفوس، لا تجد متاعها في أكلة أو شهوة، وتجد المتاع في إحقاق الحق، وزجر الطغيان، وإقامة العدل والشريعة بين الناس.
وهكذا كانت حيوية عمر فيما يريده، وفيما يزهد فيه.
لم تكن قلة الرغبة في زخارف الدنيا هي مقياس حيويته العظمى، وإنما كان مقياس تلك الحيوية عظم الرغبة في الإصلاح والتقويم، وفي إجراء ما ينبغي أن يجري، غير مبال ما يكلفه ذلك من جهد تتضاءل دونه جهود الألوف من الموكلين بمتاع الأجساد. •••
Bog aan la aqoon