وعمر بن الخطاب مثل فذ من أمثلة هذا الطراز الفريد، تفهم سره؛ فإذا هو على وفاق مع جهره، وتنفذ إلى باطنه، فإذا هو مصدق للظاهر من سيماه.
1
فهل حللنا العقدة بهذا التقريب بين الظاهر والباطن، وبين الجهر والسريرة؟ كلا، ولا تقدمنا بعيدا في طريق حلها؛ لأننا لا نعرف هذا التقارب إلا بعد معرفة السريرة التي نبحث عنها، فلا بد إذن من البحث، ولا بد من المعرفة، فإذا وصلنا إلى الغور البعيد عرفنا ساعتئذ أنه لا يناقض الظاهر المكشوف، ولكن لا بد من الوصول إلى الغور البعيد قبل ذاك .
لا تناقض في خلائق عمر بن الخطاب، ولكن ليس معنى ذلك أنه أيسر فهما من المتناقضين، بل لعله أعضل فهما منهم في كثير من الأحوال؛ فالعظمة على كل حال ليست بالمطلب اليسير لمن يبتغيه، وليست بالمطلب اليسير لمن ينفذ إلى صميمه ويحتويه.
إنما الأمر الميسور في التعريف بهذا الرجل العظيم؛ أن خلائقه الكبرى كانت بارزة جدا لا يسترها حجاب؛ فما من قارئ ألم بفذلكة صالحة من ترجمته إلا استطاع أن يعلم أن عمر بن الخطاب كان عادلا، وكان رحيما، وكان غيورا، وكان فطنا، وكان وثيق الإيمان، عظيم الاستعداد للنخوة الدينية.
فالعدل والرحمة والغيرة والفطنة والإيمان الوثيق صفات مكينة فيه لا تخفى على ناظر، ويبقى عليه بعد ذلك أن يعلم كيف تتجه هذه الصفات إلى وجهة واحدة، ولا تتشعب في اتجاهها طرائق قددا،
2
كما يتفق في صفات بعض العظماء، بل يبقى عليه بعد ذلك أن يعلم كيف يتمم بعض هذه الصفات بعضا، حتى كأنها صفة واحدة متصلة الأجزاء متلاحقة الألوان.
وأعجب من هذا في التوافق بين صفاته، أن الصفة الواحدة تستمد عناصرها من روافد شتى، ولا تستمدها من ينبوع واحد، ثم هي مع ذلك متفقة لا تتناقض، متساندة لا تتخاذل، كأنها لا تعرف التعدد والتكاثر في شيء.
خذ لذلك مثلا: عدله المشهور الذي اتسم به، كما لم يتسم قط بفضيلة من فضائله الكبرى، فكم رافدة
Bog aan la aqoon