صلى الله عليه وسلم
إياه.
ومن تلك الهيبة أنها كانت - رضي الله عنها - تتحفظ في زيارة قبره بعد موته، وحكت ذلك فقالت: «ما زلت أضع خماري، وأتفضل
5
في ثيابي، وأقول: إنما زوجي وأبي، حتى دفن عمر بن الخطاب، فلم أزل متحفظة في ثيابي حتى بنيت بيني وبين القبور جدارا فتفضلت بعد.»
وإن من أدب الرسول - عليه السلام - أنه كان يرعى تلك الهيبة رضا عنها، واغتباطا بأثرها في نصرة الحق وهزيمة الباطل، وتأمين الخير والصدق، وإخافة أهل البغي والبهتان.
وقد كان الذين يعرفون عمر أهيب له من الذين يجهلونه! وتلك علامة على أن هيبته كانت قوة نفس، تملأ الأفئدة قبل أن تملأ الأنظار. فربما اجترأ عليه من لم يعرفه ومن لم يختبره؛ لتجافيه عن الخيلاء، وقلة اكتراثه للمظهر والثياب. أما الذين عرفوه واختبروه فقد كان يروعهم على المفاجأة روعة لا تذهبها الألفة وطول المعاشرة، ومن ذاك أنه كان يمشي ذات يوم، وخلفه عدة من أصحاب رسول الله، إذ بدا له فالتفت، فلم يبق منهم أحد إلا وحبل ركبتيه ساقط!
وتنحنح عمر والحجام يقص له شعره، فذهل الحجام عن نفسه، وكاد أن يغشى عليه، فأمر له بأربعين درهما.
فهي هيبة من قوة النفس قبل أن تكون من قوة الجسد، إلا أنه مع هذا كان في منظر الجسد رائعا يهول من يراه، ولا يذهب الخوف منه إلا الثقة بعدله وتقواه.
كان طويلا بائن الطول يرى ماشيا كأنه راكب، جسيما صلبا يصرع الأقوياء، ويروض الفرس بغير ركاب، ويتكلم فيسمع السامع منه وفاق ما رأى من نفاذ قول وفصل خطاب.
Bog aan la aqoon