فالمساواة في أدب النفس لم تكن عند عمر مما ينفي التفاضل بالدرجات، ولم يكن يرضيه كذلك أن يعتمد الفقراء على الصدقات والعطايا، ويعرضوا عن العمل واتخاذ المهنة، فكان يقول لهم في خطبة: «يا معشر الفقراء، ارفعوا رءوسكم فقد وضح الطريق، فاستبقوا الخيرات، ولا تكونوا عيالا على المسلمين.»
66
وكان يوصي الفقراء والأغنياء معا «أن يتعلموا المهنة، فإنه يوشك أن يحتاج أحدهم إلى مهنة وإن كان من الأغنياء.»
فيسوغ لنا أن نفهم من هذا جميعه معنى ما انتواه من أخذ فضول الغني، وتقسيمه بين ذوي الحاجة، وهو تحصيل بعض الضرائب من الثروات الفاضلة، وتقسيمها في وجوه البر والإصلاح.
على أن عمر يصح أن يسمى مؤسسا لديوان الوقف الخيري على الوجه الذي نعهده الآن، فقد أنشأ بيت الدقيق لإغاثة الجياع الذين لا يجدون الطعام، وأصاب قبل خلافته أرضا بخيبر فاستشار النبي - عليه السلام - فيها، فاستحسن له أن يحبس أصلها، ويتصدق بريعها، فجعلها عمر صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث، وينفق منها على الفقراء والغزاة وغيرهم، ولا جناح
67
على من وليها؛ يأكل بالمعروف، ويطعم صديقا فقيرا منها. •••
وعرضت لعمر مسائل التعمير على حسب الحاجة إليها في وقته، فلم تجده مسألة منها دون ما تحتاج إليه من إصابة الرأي وحسن الروية، فكانت نصائحه في تخطيط المدن واختيار مواقعها من أنفع النصائح، وكانت دواعيه إلى بنائها من أشرف الدواعي وأليقها بالأمير.
شاهد في الجند هزالا وتغير ألوان فسأل قائدهم سعدا: ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم؟ فأجابه: إنها وخومة
68
Bog aan la aqoon