قال سعيد: «هي قريبة منك» وأشار بعينه إلى ذلك المكان.
قال سالم: «هي هنا الآن؟» وتلفت حوله.
وكانت الزهراء - ساعة رجوع عابدة - مستلقية في إحدى غرف البيت للراحة من عناء ذلك الليل، فدخلت عليها عابدة وحدها، فنهضت وسألتها عن سالم فقالت: «إنه سيأتي بعد قليل، فقد تركته في بيته يتأهب للمجيء.»
فقالت الزهراء: «اصدقيني، أظنك لم تجديه، أو لعله قد فر أو مات؟ قولي؟»
فقالت عابدة: «وحياتك هو حي، وسيأتي بعد قليل.»
فصدقتها وصبرت نفسها، وهي كلما سمعت حركة أو صوتا تحسب أخاها قادما، وعابدة تشاغلها ريثما يفرغ سعيد من التعريف، وإذا بالزهراء نهضت فجأة وقالت أسمع صوت أخي، هذا صوته يرن في أذني.» وهرولت نحو الباب فمشت عابدة معها، ولما دنت من الغرفة التي كان سعيد فيها سمعت كلاما فقالت: «أسمع سعيدا يتكلم، مع من؟»
قالت عابدة: «ستعلمين بعد قليل.»
قالت الزهراء: «أظنه يكلم أخي.» واقتربت من الباب، وكان مغلقا فسمعت أخاها يقول: «هي هنا الآن؟»
فعرفت صوته ففتحت الباب، وكان هو يقول ذلك ويتلفت حوله، فوقع بصره عليها وهي لا تزال بملابس صاحب البريد، فلم يعرفها. أما هي فوقفت لحظة تتعرف ملامحه وتتفرس فيه، وما عتمت أن ألقت بنفسها عليه وهي تصرخ: «أخي! أخي سالم!»
فلما سمع صوتها عرفها فضمها إليه وتعانقا، وعابدة وسعيد ينظران إليهما نظر الإشفاق، وسعيد كأنك أبدلته بسواه؛ فقد تغير قلبه وتبدلت عواطفه، وأحس بالجريمة التي كان قد أوشك أن يرتكبها، لو لم تتداركه عابدة بالجند ويقبضوا عليه، فإنه كان عازما على الفتك بها وبأخيها إذا هي لم تبادله الحب والغرام، فلما رأى تعانقهما والدموع تتساقط من عينيهما فرحا بذلك اللقاء، شعر بعظم الذنب الذي كان عازما على ارتكابه، وأحس بلذة الاحسان في هذا اللقاء؛ لأنه كان وسيلة التعارف بين الأخوين، فجعل يتأمل حركاتهما، فكانا يفترقان لحظة ريثما يتأمل أحدهما في وجه صاحبه ثم يعودان إلى العناق.
Bog aan la aqoon