Cabd Rahman Nasir

Joorji Zaydaan d. 1331 AH
155

Cabd Rahman Nasir

عبد الرحمن الناصر

Noocyada

قالت الوصيفة: «ألم تسألي عنه؟»

قالت الزهراء: «من أسأل؟ وقد نقلت من أناس لا أعرفهم إلى أناس لا أعرفهم، وكلهم لصوص. اختطفني لصوص من بين ذراعي والدي وباعوني إلى تجار من صقلية، ومكثت عندهم مدة علموني فيها اللغة العربية، ثم باعوني لأمير صقلية، وهذا أمر رجاله فحملوني على سفينة قالوا إنهم ذاهبون بي إلى ملك عظيم في إفريقية، فرضيت لأن أخي كان معي، ولم تنقض علينا سوى بضعة أيام - ونحن في السفينة - حتى سطا علينا لصوص البحر في ليلة ليلاء، وهو كثيرون في هذا البحر، يسطون على السفن وينهبون ما بها، ويسمونهم القرصان، وقد كان في إمكاني أن أبقى هناك ولكن ...»

فتعجبت الوصيفة من قولها وقالت: «ولماذا لم تبقي؟»

الفصل الثاني والخمسون

سبب الفراق

فغصت بريقها وسكتت، وهي تتلهى بمسح دمعتين انحدرتا على خديها، وقالت: «لم أبق لأني كنت أطلب النجاة من رجل هناك يزعم أنه رئيس تلك السفينة، وما برح منذ أقلعنا من صقلية وهو يتقرب إلي وأنا أشعر بنفور منه لا أدري سببه، وهو يدنو مني ويعدني ويمنيني ويظهر أنه يحب أخي ويلاطفه، فأظهرت لأخي نفوري من ذلك الرجل وتواعدنا على أننا إذا وصلنا إلى شاطئ إفريقية شكوناه إلى ملكه، وكان قد أدرك غرضنا فجعل يضيق علينا، فلما هاجمنا القرصان خطر لي - من شدة كرهي لذلك الرئيس - أن انتقالنا إلى سفينة القرصان ينجينا منه. ونحن في كل حال غنيمة للقوي، فلم ندافع كثيرا ولم تكن نجاتنا في أيدينا، فما شعرت إلا وأنا على سفينة القرصان، وقد أقلعت بنا، وكنت أحسبهم قد خطفوا أخي معي، فلم أجده ، فبكيت وصرخت وما من سميع، فأخذت أشعر بالتعاسة منذ ذلك الحين. وحملني القرصان إلى شاطئ الأندلس فباعوني إلى لصوص آخرين، وهؤلاء باعوني إلى رجل حملني إلى قرطبة، فلما رآني ياسر رئيس الخصيان اشتراني لسيده أمير المؤمنين، فشغلت في بادئ الأمر بمصائبي، ثم بالانتقال إلى هذه النعمة، وما لبثت أن عدت إلى أمر أخي، ويكاد الندم يأكلني لأني أشعر أني كنت سببا في هذا الفراق.» ولما بلغت إلى هنا لم تتمالك عن البكاء، وهي لا تجسر أن تجهر به لئلا يظن من يسمعها أنها تبكي خوفا من غضب الخليفة.

وكانت الوصيفة تسمع كلامها وتعجب لشدة تعلقها بأخيها لأنها لو كانت هي في مكانها، وصارت بهذه المنزلة من الجاه والنعم، لم تعد تذكر أحدا من أهلها، ولكن الناس يتفاوتون في أحاسيسهم ومشاعرهم، ففيهم المحب الذي إذ أحب تعشق وارتسم حبيبه في كل جارحة من جوارحه، ولا يجد له عنه صبرا ولا تغيره طوارق الحدثان، ومن الناس من يخلق مطبوعا على الألفة، إذا تعود شيئا شق عليه فراقه ولو كان مكروها، وإلى ذلك أشار المتنبي بقوله عن نفسه:

خلقت ألوفا لو رجعت إلى الصبا

لفارقت شيبي موجع القلب باكيا

ويغلب فيمن يحب كثيرا أن يكره كثيرا، فيكون حبه كلفا وبغضه تلفا، ومن الناس من لا يعرف من الحب إلا اسمه، وإنما يكون الحب في نظره قضاء لمصلحة أو طمعا في غرض، فإذا تجرد عن المنفعة لم يبق له أثر.

Bog aan la aqoon