قال سعيد: «إني لا أخاف شيئا، ولكني أطلب إلى مولاي أن يثق بحسن النية فيما أقول، وربما كان في بعضه ما يخالف اعتقاده.»
فاستبشر الناصر بشيء يطلع عليه فقال: «قلت لك قل ولا تخف. أخرج كتابك وانظر إلي، وقل ما يدلك عليه علمك.»
فمد سعيد يده إلى جيبه وأخرج كتاب التنجيم، ففتحه وأخذ يقلب فيه، وينظر إلى الناصر ويعيد النظر إلى الكتاب، ويعد على أصابعه ويلتفت إلى أشعة الشمس تارة وإلى بركة الزئبق تارة أخرى. ثم تظاهر بالارتباك، وقال: «أعفني يا سيدي من الحديث اليوم.»
قال الناصر: «لن أتركك حتى تحدثني عما ترى.»
فاعتدل في مقعده وأعاد النظر في الكتاب ثم قال: «إني أرى الخوف يأتي أمير المؤمنين من أكثر الناس ثقة عنده.» وسكت وهو يقلب في صفحات الكتاب ويراقب ما يبدو من الناصر.
أما الناصر فكان لكلام سعيد وقع شديد على سمعه، وقد أثار أفكارا كانت كامنة في قلبه، ولكنه غالط نفسه وتظاهر بالإصغاء كأنه يسمع بقية الحديث.
ولم يفت سعيدا ما جال في خاطر الخليفة، فاستأنف الكلام قائلا: «أخشى أن يكون مولاي أمير المؤمنين قد ندم على طلبه وإلحاحه.»
فقال الناصر: «كلا، بل العكس، فإني مصغ لما تقول، لكن نصف الخطاب ليس له جواب. قل، صرح بالحقيقة.»
قال: «يظهر أن مولاي يظن أن المنجم يستطيع تعيين الأشخاص، فإذا كان قد قيل له ذلك من قبل فإن القائل ليس من المنجمين، أو أنه يزعم للتنجيم قوة فوق قوته. إن هذه الصناعة يمكن أن تمتزج بالدجل مما لم أتعود عليه، وأنا لا أقول إلا ما تدلني عليه الصناعة تماما، وهي إنما تشير إلى الأوصاف والأحوال، وقد قلت لسيدي إن الطالع دلني على أن الخوف في دار أمير المؤمنين من أكثر الناس ثقة عنده وأقربهم مودة إليه، ولو سألني عن اسم ذلك الرجل أو تلك المرأة فلا يكون جوابي إلا من قبيل الرجم بالغيب.»
فأعجب الناصر بما رآه من صدق لهجة الرجل وعزة نفسه، ولكنه توهم أنه يشير إلى أناس لا يريد الناصر أن يرتاب فيهم، ولا هو يرتاب في صدق المنجم، فأصبح في حيرة وندم على أن عرض نفسه للشك؛ لأنه كان شديد الحرص على ذلك الحبيب موضع ثقته، وهي الزهراء؛ إذ لم يكن أعز منها على قلبه، ولا يريد أن يدع سبيلا لسوء الظن بينه وبينها؛ نظرا لولعه بها وشدة تعلقه بحبها، وقد أنفق الأموال في تشييد تلك القصور لأجلها، فكيف يسبب الشقاء لنفسه بالشكوك، وهو لا يرى له غنى عنها بوجه من الوجوه، وقد امتلكت فؤاده وغلبته على أمره، فلم ير خيرا من قطع الحديث أو تحويله فقال: «لله درك من حكيم خبير! قد فهمت مرادك، وسنعود إلى إتمام المقال. أما الآن فيحسن أن نرى تلك الجارية الأديبة.»
Bog aan la aqoon