وتأدب سعيد في جلوسه، وأطرق فوقع بصره على الزئبق فشغله لمعانه الباهر، ولكنه مكث صامتا ينتظر أمر الخليفة، وكان قد لاحظ على وجه الناصر انقباضا، وكأنه شاهد في عينيه دموعا، فافتتح الخليفة الكلام فقال: «أين الجارية التي بعث بها ولدنا؟»
قال سعيد: «هي في قصر أمير المؤمنين، استلمها عبده ياسر رئيس الخصيان.»
قال الناصر: «من أين أتيت بها؟ بلغني من كتاب ولدي هذا أنك صاحبها تعلمها وتهذبها.»
قال سعيد: «هي يا أمير المؤمنين جارية أدب ومنادمة من مولدات بغداد.»
قال الناصر: «بلغني أنها تحسن الغناء أيضا؟»
قال سعيد: «نعم يا سيدي، إنها كذلك.»
قال الناصر: بلغني أنك من نوابغ الرجال، فوقف سعيد تأدبا وحياء وقال: لست شيئا من ذلك، ولكنني أكون كما يشاء أمير المؤمنين.
فقال الناصر وهو يمشط لحيته بأنامله: «بارك الله في بغداد؛ إنها لا تزال تأتينا بالتحف والذخائر! وهل أنت من بغداد أيضا؟»
قال سعيد: «إن عبد أمير المؤمنين من هذه الديار، ولكنني رحلت إلى بغداد والشام في طلب الكتب وجمع نوادر الأدب.»
قال الناصر: «بلغني أنك من نوابغ الرجال.»
Bog aan la aqoon