Cabd Rahman Kawakibi
عبد الرحمن الكواكبي
Noocyada
خرج من بلده وفي جعبته الرسالة التي يخشى عليها، وغاية ما اتخذه من الحيطة أنه لم يعلن اسمه مع إعلان تلك الرسالة، ولعله آثر الكتمان لأنه أعون له على الحركة والتنقل بين الأقطار، وأستر له ولمن يتحرجون من لقائه إذا انكشفت مقاصده وتبين العاجل والآجل من نياته ومساعيه، ولا بد من مثل هذه الحيطة في دور الاستطلاع وجس النبض ووزن الخطى بين العجلة والأناة. •••
وأيا كان النص الذي انتهت إليه عبارة المؤلف في كتابيه الباقيين، فلقد كانت أعمال الإصلاح كما ينبغي أن يتولاها العاملون متى صحت عزيمتهم عليها ماثلة أمام بصيرته جلية المعالم في خلده، بعضها مشروح مسبب في إيجاز وسهولة، وبعضها مذكور كما تذكر رءوس المسائل للعودة إليها والإفاضة فيها، ولكنها تكفي بتفصيلها وإجمالها لتنسيق برنامج العمل والإحاطة بأصوله وفروعه فيما يشمله الإصلاح من شئون الدين والدنيا.
وما من شيء يعوز البرنامج الذي يحيط بمطالب الإصلاح في مسائل الدين والدولة ومسائل السياسة والأخلاق ومسائل الثقافة والثروة الاقتصادية والتربية الاجتماعية، وهذه هي المسائل التي احتواها الكتابان على تفصيل أو إجمال، وعلى جلاء وثقة فيما فصل وفيما أجمل، ومن هذين الكتابين نستخلص ذلك البرنامج الحافل بغير كلفة ولا مشقة، ونؤثر أحيانا أن نعتمد على عبارة المؤلف محافظة على منهجه وإثباتا لما يتخلل السطور من مقاصده ونياته.
وسنرى بعد الإحاطة بآرائه ومقترحاته أن دعوة هذا المصلح العامل تنتظم في عداد «الفلسفات» التي اشتهر بها حكماء الإصلاح والنظر، ويصح أن تسمى بالفلسفة الكواكبية في سياق المذاهب والآراء التي تنسب إلى أصحابها من الحكماء، وإنما يختار لها اسم «البرنامج»؛ لأن فيها مزية ليست في مذاهب الفلسفة؛ إذ هي فلسفة محضرة للعمل، بليغة في باب الأعمال؛ لأنها توافق مقتضى الحال.
الفصل الرابع عشر
الدين
يتلخص الإصلاح الديني عند الكواكبي في تحرير الإسلام من الجمود والخرافة.
وأخطر آفات الجمود عنده أنه جعل المسلمين صورة مقلدة ونسخة مستعارة، فهم مسلمون لذمة أسلافهم وليسوا بالمسلمين لذمة أنفسهم، وهم مسلمون بالتبعية وليسوا مسلمين بالأصالة، يدينون بالإسلام انقيادا منهم لمن تقدمهم ولا يحسبون أنهم أهل للخطاب على حدتهم، وقد صدق فيهم ما نعاه الكتاب المبين على القائلين:
إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون .
وعلاج هذه الآفة أن يعاد بالدين إلى بساطته الأولى التي يسرت فهمه لمن تقبلوا دعوته في صدر الإسلام، ولا تزال تيسره لمن يدعون إليه على بساطته وسهولته بين أبناء الشعوب الفطرية.
Bog aan la aqoon