Cabd Rahman Kawakibi
عبد الرحمن الكواكبي
Noocyada
ثم قال: «وزرت السفارة الروسية فقابلني مكسيموف الترجمان الأول - وله نفوذ عظيم في المابين - ورحب بي وقال لي إنه علم بمسألة الصحف، فأسف لما وقع ...»
ومضى شفيق باشا يقول: «... ثم ذهبت إلى المابين فلم ألق جديدا، وهناك قابلت نجيب بك ملحمة القوميسير العالي للدولة في البلغار، فتعرفنا بعد قليل، ودارت بيننا أحاديث أخبرني خلالها أن جماعة أبي الهدى أرادوا اجتذابه نحوهم، فطلبوا منه أن يرسل تقريرا ضد الحضرة الخديوية، وكان الواسطة في ذلك كريم أفندي صاحب جريدة تركيا التي تطبع في مصر، ولكنه أخذ الأوراق التي تثبت ذلك ورفعها للسلطات، فصدرت له الإرادة بحفظها عنده ...»
ونقل شفيق باشا في مذكرات سنة 1901: «في 24 نوفمبر أبلغني تحسين بك أن أبا الهدى تمكن من دخول السراي بعد أن كانت علاقته بها على غير ما يرام، وألقى بدسيسة ضد الخديو مؤداها أن سموه تآمر مع رفعت باشا الصدر الأعظم الذي توفي أخيرا، والقزلر أغاسي والمشير فؤاد باشا وغيرهم لخلع السلطان وتولية ولي العهد، وأن المتآمرين أخذوا رشوة قدرها عشرون ألف جنيه بواسطة الكريدي ليونيه، وأني كنت الواسطة بين الخديو ورشاد أفندي ولي العهد في هذه المؤامرة ...»
وكان الخديو في هذه الأثناء يسافر إلى الصحراء الغربية فيتلقى المابين تقارير الجواسيس بأنه «سيقابل هناك الشيخ جنينة وكيل السنوسي للمخابرة معه بشأن الخلافة العربية».
وفي أول يونيو سنة 1901 كتب شفيق باشا في مذكراته: «... إن بطرس غالي باشا ناظر الخارجية توجه من قبل كرومر إلى الخديو، وأبلغه أن الحكومة الإنجليزية ورد لها بلاغ من سفير الدولة بلندرة يقول فيه إن سموه أخذ في إرسال مدافع ونقود إلى الثائرين في اليمن ...»
وقال بعد ذلك إنه «في 31 أكتوبر طلبت للسراي وعرض علي تحسين بك صورة منشور عليه توقيع الخديو بصفته خديويا يدعو المسلمين فيه للخروج على السلطان ومبايعته بالخلافة ... ولكن جلالة الخليفة عرف أن هذه دسيسة».
ودامت هذه الجفوة إلى صيف سنة 1901 حين شعر الخديو بالتضييق عليه من قبل الإنجليز، فأخذ في التمهيد لإصلاح العلاقة بينه وبين السلطان، وقرر السفر إلى الآستانة قبل أن تبلغه الدعوة السلطانية بالحضور إليها كما جرت بذلك مراسم المابين. •••
ولا ندري هل كان الكواكبي يتحين الفرصة المؤاتية لسفره من حلب إلى القاهرة، أو أنه نزل بها فوجد الفرصة مؤاتية له بعد وصوله إليها، ولكن هذه الفرصة كانت ضرورية له في عمله فاستفاد منها أثناء مقامه بمصر، وأنجز كل ما أراد إنجازه فيها قبل رحلاته إلى المشرق وقبل انقلاب الموقف وتراجع الخديو عن خطته الأولى، فسرعان ما «اعتدل الجو» بين «يلدز» و«عابدين» حتى جاءه النبأ من قبل الخديو يوحي إليه بما لا يخفى عليه؛ إذ عرض عليه أن يصحبه إلى الآستانة ليقدمه إلى السلطان ويعيده إلى حظيرة رضاه، ولم يكن ليخفى على الكواكبي مغزى هذا الاقتراح الصريح، فإنه سواء قبل السفر إلى الآستانة أو اعتذر منه خليق أن يفهم أنه مطالب بالسكوت عن السلطان أو مبارحة البلاد، إلا إذا شاء أن يمكث بها في حماية الاحتلال.
ونحن لم نسمع بهذا الخبر من أصحاب الكواكبي الذين لقيناهم وسمعنا منهم الكثير من أخباره مع الخديو ومع الأستاذ الإمام، وإنما نعول على رواية الأستاذ كرد علي في الجزء الثاني من مذكراته التي يقول فيها: «وجاءني ذات ليلة يسمر معي في داري مع الحبيب رفيق بك العظم يستشيرني في أمر عظيم، قال: إن الخديو عباس عرض عليه أن يصحبه إلى الآستانة - وكان الخديو يصطاف فيها - ليقدمه إلى السلطان العثماني ويستجلب رضاه عنه، وبذلك تنحل هذه المشادة ويطمئن خليفة الترك إليه، فصعب علي وعلى رفيق بك إبداء رأي في موضوع جد خطير كهذا؛ لأن ابن عثمان لا تأخذه هوادة فيمن خرجوا على سلطانه، وخشينا أن تكون هناك دسيسة يذهب الرجل ضحيتها، ومما قال لنا: إنه حائر في أمره بين القبول والرفض، وإنه شعر بالأمس بوجع في ذراعه وما عرف له تعليلا، وتقوض المجلس وذهب السيد الكواكبي إلى داره، فما هي إلا ساعة وبعض ساعة حتى سمعت ابنه السيد كاظم في الباب يبكي وينوح، ويقول: قم يا كرد علي، فإن صديقك أبي مات ...»
وظاهر من سيرة الكواكبي في القاهرة أنه لم يقم بها إقامة طويلة متوالية، وإنما كانت إقامته بها مقتطعة تتخللها الرحلة بعد الرحلة على النحو الذي تقدم بيانه في ترجمته بأقلام أصدقائه.
Bog aan la aqoon