Cabd Rahman Kawakibi
عبد الرحمن الكواكبي
Noocyada
أو قوله: «الاستبداد لو كان رجلا يحتسب وينتسب لقال: أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضر، وخالي الذل، وابني الفقر، وبنتي البطالة، وعشيرتي الجهالة، ووطني الخراب، أما ديني وشرفي وحياتي فالمال المال المال ...»
أو كقوله: «إنه المعترك الذي ... قل في البشر من لا يجول فيه على فيل من الفكر، أو على جمل من الجهل، أو على فرس من الفراسة، أو على حمار من الحمق، حتى جاء الزمن الأخير فجال فيه إنسان الغرب جولة المغوار الممتطي في التدقيق مراكب البخار.»
ومن توكيداته الخطابية ما يجري فيه على مثل قوله: «الاستبداد أشد وطأة من الوباء، أعظم تخريبا من السيل، أذل للنفوس من السؤال، داء إذا نزل بالنفوس سمعت أرواحهم هاتف السماء ينادي القضاء القضاء، والأرض تناجي ربها بكشف البلاء.»
ومنها ما يجري فيه على التوكيد بالتكرار كقوله عن التعاون: «به قيام كل شيء ما عدا الله وحده، به قيام الأجرام السماوية، به قوام كل حياة، به قيام المواليد، به قيام الأجناس والأنواع، به قيام الأمم والقبائل، به قيام العائلات، به تعاون الأعضاء، نعم؛ الاشتراك فيه سر تضاعف القوة بنسبة ناموس التربيع، فيه سر الاستمرار على الأعمال التي لا تفي بها أعمار الأفراد.»
ومنه ما يجري فيه على التوكيد بمثل هذا التكرار: «يجددون النظر في الدين نظر من لا يحفل بغير الحق الصريح، نظر من لا يضيع النتائج بتشويش المقدمات، نظر من يقصد إظهار الحقيقة لا إظهار الفصاحة، نظر من يريد وجه ربه لاستمالة الناس إليه.»
ونتأتى عند قوله: «إن المصلح ينبغي أن ينظر في الأمور نظر من يقصد إظهار الحقيقة لا إظهار الفصاحة، ونظر من يريد وجه ربه لاستمالة الناس إليه» ... فإنه قد أودع هذه الكلمة روح هذا الأسلوب الفصيح بمقصده البين وصمود صاحبه على هذا المقصد طوال حياته؛ بل أودعه في الحق روح كل أسلوب يؤدي للقارئ من وراء الجمل والمفردات فوق ما تؤديه ألفاظه ومعانيه، فإن إخوان الكواكبي الذين عاشروه وألفوا الاستماع إليه وقراءته معا يقولون إنهم كانوا يؤمنون بشيء واحد من حديث لسانه كما يؤمنون به من حديث قلمه؛ كانوا يؤمنون قبل كل شيء بإيمان المتكلم بفكرته، وشعوره ببداهة دعوته وصدق رغبته في إقناع غيره بما هو مقتنع بضرورته، لعامة قومه. وأسلوبه في الحديث وأسلوبه في الكتابة متقاربان متعادلان، لا يقع بينهما من الاختلاف إلا أن يكون اختلاف القائل المترسل بين الناس، والقائل المحتفل على هينة بينه وبين نفسه، وعلى هذا الوجه يصح أن يعتبر أسلوب الكواكبي نمطا من أنماط الحديث الخطابي أو الخطابة المكتوبة، على الطريقة التي تتسنى للمتحدث المطبوع وإن لم يكن في المحافل من الخطباء المطبوعين.
ولا شك أن الكواكبي قد حاول كل وسيلة من وسائل التعبير لإبلاغ دعوته «إظهارا للحقيقة لا إظهارا للفصاحة» ... فإنه قد عالج نظم الشعر، وأثبت في أم القرى بعض منظوماته في شبابه، فافتتح الكتاب بإحدى القصائد يقول منها:
دراك فإن الدين قد زال عزه
وكان عزيزا قبل ذا غير هين
فكان له أهل يوفون حقه
Bog aan la aqoon