وهو بالنسبة للشباب مجرد بحث يبين لهم كيف يفكر آباؤهم، وكيف يحكمون على أهم إنجاز في جيلهم، ومن خلال هذا المرجع تتهيأ لهم فكرة لا بأس بها عما سيرثون من متاعب ... ومن أمجاد أيضا.
أما بالنسبة لنا في «روز اليوسف»، فالكتاب حل موفق لمأزق وقعنا فيه، وحجة لا بأس بها لإقفال باب الحوار على صفحات المجلة حول هذا الموضوع الذي يتعلق بالماضي ... وتخصيص المساحة التي سيوفرها لقضايا أخرى، تتعلق بالمستقبل!
المقال الأول
هل كان جمال عبد الناصر فوق مستوى الخطأ؟
عن نفسي مع الخجل الشديد
لا توجد طريقة لكتابة المقال، أو مجموعة من المقالات، أسوأ من أن يبدأ الكاتب بالكلام عن نفسه، ولكنني أجد نفسي مضطرا إلى أن أبدأ على هذا النحو؛ لأن الموضوع الذي أعالجه يتسم - في هذه الأيام بوجه خاص - بقدر من الحساسية يجعل كل من يتطرق له مطالبا بأن يثبت براءته من الدوافع الشخصية، ومن شبهة الرجعية، ومن الجبن والانتهازية، قبل أن يكتب فيه كلمة واحدة، فليتحمل القارئ قليلا بعض الأسطر التي سأحدثه فيها عن نفسي، وسوف يجد فيما يلي ذلك من أجزاء المقال ما يقنعه بأن هذه البداية السيئة، كانت شيئا لا مفر منه.
ولأبدأ بمسألة الدوافع الشخصية؛ فكثيرون ممن يكتبون عن الناصرية كتابة نقدية، في أيامنا هذه، لديهم بالفعل دوافع شخصية تسهم أو تمس المحيطين بهم أو مصالح الطبقة التي يريدون استعادة مجدها. أما أنا فلم تكن لدي، أو لدى واحد من أفراد أسرتي المباشرة أو أقربائي البعيدين، أرض انتزعها الإصلاح الزراعي، أو مصنع أو شركة سرى عليها التأميم.
والأمر الذي أستطيع أن أؤكده بصورة قاطعة هو أن العهد الناصري لم يمس أية مصلحة من مصالحي بالضرر، بل إنني - على العكس من ذلك - أحرزت خلاله بالتدريج أي قدر من النجاح أستطيع أن أقول إنني حققته في مجالي المحدود: مجال أستاذ الجامعة والكاتب المفكر.
أما عن شبهة الرجعية، فإنني أصنف نفسي من بين التقدميين، وربما كنت قد تعرضت في وقت من الأوقات لحملات يعرفها كثير من القراء، اتهمت فيها بما هو أشد من ذلك، وعلى أية حال فإنني أعتقد أن اليسار، إذا كان يعني الدعوة إلى التغيير والتجديد، وإلى إعطاء الأولوية للمشروعات التي تخدم مصالح الفئات العريضة من المجتمع، بدلا من تلك التي تخدم فئات محدودة، ومحظوظة في داخله، وإذا كان يعني الدعوة الصريحة القاطعة إلى تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية، لا صورية، يحس بها الإنسان المطحون ويلمس أثرها في حياته المباشرة، وإذا كان يعني صون الكرامة الإنسانية وحمايتها من الذل والفقر والظلم الاجتماعي والسياسي؛ إذا كان اليسار يعني ذلك كله، فإنني أعد نفسي يساريا بلا أدنى تردد، وأعتقد أنني كنت أدافع عن هذه المعاني على الدوام.
وأما صفة الجبن والانتهازية، فإن أولاهما تتعلق بموقف من الماضي، والثانية تتعلق بموقف من الحاضر والمستقبل.
Bog aan la aqoon