ولا شيء يثير قلق وفزع اليمين مثل أن يتفق الناصريون بشعبيتهم، الناصريون فكر، وتطبيقات الماركسية في إطارهم القومي، وأن ينضم الماركسيون وينصهروا في المجرى العام للثورة المصرية وفي كل التراث المصري والعربي.
ولهذا يسعى اليمين المصري سعيا محموما للفرقة بينهما.
وبينما يلعنون الناصرية والناصريين على كل المنابر يستديرون ليطبعوا قبلة الموت على وجنات الماركسية، وأملهم هو أن يتعارك الماركسيون معهم في تصفية الناصرية، ثم يستديروا فيما بعد لتصفيتهم، أو لإبقائهم قوة سياسية نظرية معزولة في توازن تحكمه القوى البورجوازية بإحكام!
على أن الخلاف والصراع بين الناصرية وبين الماركسية، الذي تريد قوى اليمين أن تشعله مرة أخرى، لم يكن خرقا لقوانين التاريخ؛ لأن الصراع بين المذاهب والعقائد والأديان وفيما بينها هو تاريخ الحياة الفكرية والروحية للإنسان، وإلى جوار الصراعات المفتعلة هناك صراعات حقيقية تثور لوقت طويل أو قصير، وتنتهي في أحيان كثيرة إلى تفاعلات ومصالحات تثري وتخصب التفكير والتطبيق.
ومهما يكن الصراع الذي ثار ذات يوم بين عبد الناصر والماركسيين، إلا أنه أقل حدة وعنفا من الصراع داخل حزب شيوعي واحد أو حزب اشتراكي واحد.
وقد كان طبيعيا وحتميا مثل أي صراع بين ثوار يختلفون حول الطرق ويتفقون حول الأهداف، أن ينتهي إلى تكامل وتعايش، وحينما حمل أحد أقطاب اليسار الماركسي إلى عبد الناصر قرار الماركسيين بالاندماج في الثورة وحل الحزب الشيوعي المصري قال له عبد الناصر على الفور: «الآن نستطيع أن نبني الحزب الثوري الذي يضمنا جميعا.»
والصراع بين قوى الثورة وفرقها المختلفة يحل عادة حلا متوقفا على ميزان القوى، وعلى قدرة وعمق جذور كل فرقة من اليسار. وإذا كان الماركسيون المصريون قد انتهوا إلى الاندماج الكامل في المجرى العام للثورة المصرية، فإن هذا لم يكن استسلاما، أو استيعابا ولكن كان تقديرا صحيحا لموازين القوى ورؤية حكيمة لطريق المستقبل.
والماركسيون المصريون في صفوف الثورة لم يكونوا ذيلا، ولكن رافدا هاما أضاف إلى قوتها وأصالتها ، وأثر فيها بقدر ما تأثر بها، وسد ثغرة كانت قائمة في الوحدة الوطنية والفكرية لمصر.
وليس هذا على الإطلاق بالشيء الجديد، وإنما سبقته في تاريخ الثورات سوابق.
وقد كان أول نموذج للتعاون بين الوطنيين وبين الماركسيين في الشرق هو ما تم في الصين في بداية الثورة.
Bog aan la aqoon