فأشار إليه بالجلوس وهو يقول: «إن مولانا ولي العهد رغب إلينا أن نأتيه ببعض الجواري الحسان ممن يحسن الغناء. وقد كان في الإمكان أن نبعث إليك ببعض خاصتنا في هذه المهمة، ولكننا أحببنا زيارتك لمشاهدة دار الرقيق والتفرج على ما حوته من أصناف الجواري والغلمان؛ فقد قيل لنا إنها تحوي من كل معنى طرفا.»
فقال وهو يتكمش ويتلملم تأدبا: «لقد تحملتم المشقة بهذه الزيارة فأوليتموني شرفا لا أستحقه، وكنتم في غنى عن ذلك بإشارة منكم، فننقل دار الرقيق بجملتها إلى ما بين يدي مولانا - حفظه الله - ولكن إقبال سعدنا حملكم على تكبد هذه المشقة. أما إذا شئتم أن تشاهدوا أصناف الرقيق التي في هذه الدار، فترون فيها ما لا يجتمع في سواها؛ لأني لم أدخر وسعا في إحضار أحسن الرقيق: الأبيض، والأصفر، والأحمر، والأسود من الجواري والغلمان، على اختلاف القدود واللغات والأسنان؛ من المولد في العراق أو الحجاز، والمجلوب من أقاصي بلاد الترك، والروم، وطبرستان، وخراسان، والسند، والمغرب، وفيهم الصقلبي والصقلبية، والرومي والرومية، والتركي والتركية، والفارسي والفارسية، والأرمني والأرمنية، والسندي والسندية، والبربري والبربرية ...»
فقطع الفضل كلامه قائلا: «هل عندك من الجواري المغنيات؟»
قال: «كيف لا؟ وقد تعلمن الغناء عند مغني مولانا أمير المؤمنين نفسه، وحفظن الأشعار المطربة، وأتقن الضرب على آلات الطرب، وفيهن العوادة، والطنبورية، حتى صاحبة الدف والمزهر.»
فضحك الفضل وقال: «كأني بك تصف جواري أمير المؤمنين، ولكن أظن أن المغنيات اللواتي أشرت إليهن من الجواري الصفر والسود، ومولانا إنما يريد مغنيات من الجواري البيض.»
فقال: «كل ما يطلبه مولانا هو عندي.»
قال: «ولكن أهل بغداد لم يتعودوا تعليم الجواري البيض الغناء؛ فإنهم إنما يقتنونهن للتسلية كما لا يخفى عليك، ولم أعرف أحدا علم الغناء للبيض إلا إبراهيم الموصلي؛ مغني أمير المؤمنين.»
قال: «ألم أقل لمولاي إنه يجد عندي كل ما يطلبه؟!»
الفصل الثاني عشر
ألوان من الرقيق
Bog aan la aqoon