البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان
المنسوب إلى
عماد الدين أبي حامد محمد بن محمد الأصفهاني (المتوفى سنة ٥٩٧ هـ)
مخطوطة أحمد الثالث باستانبول
«رقم ٢٩٥٩»
ومخطوطة بودليان بجامعة أكسفورد
«رقم ١٧٢»
تحقيق
أستاذ دكتور عمر عبد السلام تدمري
المكتبة العصرية
Bog aan la aqoon
جَميع الحقوُق مَحفُوظَة لِلنَّاشِر
الطَّبْعَة الأولى
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
شَرِكة أبنَاءِ شَرِيف الأَنْصَارِيّ لِلطِّباعَة وَالنشر وَالتَّوزيع
المَكتَبَة العَصريَّة لِلطِّباعَةِ وَالنَّشْر
الدَّار النَّمُوذَجِيَّة
المَطبَعَة العَصْرِيَّة
بَيْروت - ص. ب: ١١٨٣٥٥ - تِلفَاكس: ٠٠٩٦١١٦٥٥٠١٥
صَيدا - ص. ب: ٢٢١ - تِلفَاكس: ٠٠٩٦١٧٧٢٠٣١٧
e-mail: [email protected]
ISBN: ٩٩٥٣ - ٤٣٥ - ٩٣ - ٦
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بين يدَي الكتاب
المؤلّف المجهول!
من كُتُب التراث المخطوطة التي لم تُنشر ولم تُحَقَّق تحقيقًا علميًّا قبل الآن، واحد يُعتبر من أهمّ الكتب التي تنتمي إلى المكتبة التاريخية، وهو يحمل عنوان: "البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان"، يُنَسَب إلى القاضي "عماد الدين أبي حامد محمد بن محمد بن حامد الأصفهاني، المعروف بالكاتب".
هكذا ورد اسم "المؤلّف" على صفحة غلاف الكتاب، وفي الصفحة الأخيرة منه، وقد وُصِف بـ "القاضي الأجلّ، العالم، العامل".
والذي يتبادر إلى الذهن فورًا، أنّ الكتاب من تأليف "العماد الأصفهاني" المؤرّخ والأديب المعروف، صاحب "البرق الشامي"، و"الفتح القسي في الفتح القُدسي"، و"خريدة القصر وجريدة العصر"، و" نُصْرَة الفَتْرة وعَصْرة الفِطرة"، وغيره من المصنّفات، وهو كان وزيرًا، ومن أصحاب السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، مرافقًا له في غزواتِه وفي حِلّه وترحاله، المُتَوفّى سنة ٥٩٧ هـ (١). والذي يقوّي هذا الاعتقاد أنْ كتاب "البستان" ينتهي بانتهاء حوادث سنة ٥٩٣ هـ، وقد أُشير في أثناء الكتاب أنه أُلّف في سنة ٥٩٢ هـ (٢). وهذا يدلّ على أن المؤلّف كان يعيش قريبًا من هذا التاريخ.
ومن يتصفّح الكتاب على عجلٍ يظن لأول وهلةٍ أنّ "العماد الأصفهاني" المشهور، هو المؤلّف فِعلًا، استنادًا لأمرين:
الأول: وجود اسمه على صفحة الغلاف من نسخة "أحمد الثالث" باسطنبول، رقم (٢٩٥٩).
_________
(١) اسم العماد بالكامل: أبو عبد الله، محمد بن محمد بن حامد بن محمد بن عبد الله بن علي بن محمود بن هبة الله بن أَلُهْ، المعروف قديمًا بابن أخي الوزير. وُلد بأصبهان سنة ٥١٩ هـ. وتوفّي في مستهَلّ شهر رمضان سنة ٥٩٧ هـ. بدمشق، انظر عنه في: تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير والأعلام، للحافظ الذهبي (توفي ٧٤٨ هـ). بتحقيقنا، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت ١٤١٧ هـ/ ١٩٩٧ م، جزء فيه حوادث ووفيات ٥٩١ - ٦٠٠ هـ - ص ٣١٦ - ٣٢٣ رقم ٣٩٧ وفيه حشدنا مصادر ترجمته الكثيرة.
(٢) انظر: البستان - نسخة أحمد الثالث، رقم ٢٩٥٩، ورقة ٣، وورقة ٢٦٧ (حوادث سنة ٥٩٠ هـ).
1 / 5
الثاني: تقارُب تاريخ تأليف الكتاب وانتهائه مع تاريخ وفاة "العماد".
وهذا ما توقف عنده المستشرق "كلود كاهن" عندما نشر القسم الأخير من الكتاب، وهو المتعلّق بالحروب الصليبية، من سنة ٤٩٠ هـ، حتى نهايته سنة ٥٩٣ هـ (١).
غير أنّ من يقرأ الكتاب برَوِيّةِ ويتأمّل في أسلوبه ومنهجيّته، والمعلومات التي يحتويها، وطريقة عرض المادّة التاريخية، ويقوم بتحقيق نصّه، سيصل إلى قناعةٍ مؤكّدة بأن "العماد الأصفهاني" الكاتب المعروف لا علاقة له بتأليف كتاب "البستان" من قريب أو بعيد، وأن أحدهم انتحل اسم "العماد" ووضعه على صفحة الغلاف ونَسَبَه إليه ليَنْفُق على الناس، نظرًا لشُهرته.
ولقد ناقش المرحوم الدكتور "شاكر مصطفى" هذا الأمر وذكر ما نصُّه:
.. وكان من الممكن، بسهولةٍ، أن يُضاف هذا المؤلّف إلى تراث "العماد" الواسع لولا خمسة أمور:
أولها: إنه ما من مصدرِ من المصادر التاريخية ذكر للعماد كتابًا بهذا العنوان.
الثاني: إنّ أسلوبه الكتابيّ مختلف لأسلوب العماد المسجّع دومًا.
حتى عنوان الكتاب لا يتّبع السجع، مع أنّ عناوين العماد مسجّعة حتمًا، ومُعظَم الكتب في عهده على النهج نفسه من السجع.
الثالث: إنّ فيه، رغم اختصاره الشديد، الأمور المتعلّقة بأخبار صلاح الدين والتي لا نجدها لدى العماد في كتبه المطوَّلة، وبعضها يخالف رواية العماد نفسه.
الرابع: إن العماد يُعرف دومًا بالكاتب، وبالرغم من أنه كان يحمل لقب القاضي الأجَلّ في الوقت نفسه، إلا أنه لم يكن أبدًا يلقب بالقاضي فقط، ولم يكن لقب القاضي الأجلّ يُلصَق باسمه إلا في المكاتبات الرسميَّة.
الخامس: إنّ رواية الأحداث في خاتمة الكتاب تكشف أنّ صاحبه عاش في حلب، ثم في مصر، ولا يبدو أنه يعرف دمشق، فلا يبقى إلا أن يكون المؤرّخ مجهولًا انتحل الاسم ليَتفُق على الناس (٢).
انتهى ما ذكره الدكتور "شاكر مصطفى".
* * *
_________
(١) cahen، cl. une chronique syrienne de vI/xII siccle- bulletin detudes orientales، t. vIII، damas ١٩٣٧ - ٣٨ - p- ١١٥ - ١٥٨.
(٢) التاريخ العربي والمؤرّخون- د. شاكر مصطفى - طبعة دار العلم للملايين، بيروت ١٩٧٩ - ج ٢/ ٢٩١، ٢٩٢.
1 / 6
ويضيف طالب العلم وخادمه، محقّق هذا الكتاب "عمر عبد السلام تدمري" ما يلي:
١ - إنّ نسخة أخرى من الكتاب محفوظة بمكتبة بودليان بأكسفورد، تحت رقم (١٧٢ Hunt)، وهي تحمل عنوان: "كتاب الروض الناضر في أخبار الأوائل والأواخر" كُتِب على غلافها: "تأليف القاضي عماد الدين أبو حامد محمد بن محمد بن حامد الأصفهاني"، وجاء في مقدّمته، بعد البسملة والدعاء: "قال القاضي عماد الدين أبو حامد محمد بن محمد بن حامد الأصفهاني ﵀. . . "، وقال في آخر المقدّمة: ". . إلى أن وصلت إلى سيرة الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد بن قلاون الألفي الصالحي إلى آخر سنة اثنين (كذا) وسبعماية" (١).
والمعروف أنّ كتاب "الروض الناضر" هو لأبي الوليد محمد بن محمد بن الشِّحنة، المتوفَّى سنة ٨٨٢ هـ / ١٤٧٧ م.
فكيف يُنسَب للعماد الأصفهانيّ؟
وكيف يصل "العماد" بالكتاب إلى سيرة الناصر محمد بن قلاون حتى آخر سنة ٧٠٢ هـ، وهو قد مات سنة ٥٩٧ هـ؟
وفي الواقع إن نسخة "أكسفورد" هي نسخة ملفَّقَة، تضمّ في أوّلها نسخة أخرى من "البستان" حتى نهاية حوادث سنة ٥٩٣ هـ. وبها تكملة بعد ذلك تصل إلى حوادث سنة ٨٠٦ هـ. وليس إلى سنة ٧٠٢ هـ. كما جاء في مقدّمتها. وهذا يكشف زيف نسبة الكتاب إلى العماد الأصفهاني. وسنأتي على مواصفاتها ومضمونها لاحقًا.
٢ - إنّ الكتاب -في النسختين- حافل بالألفاظ السقيمة والركيكة، والأغلاط النحوية واللُّغَوية، وهو ما يتنافى مع أستاذية "العماد" في اللغة والنحو.
٣ - إن مادّة الكتاب مليئة بالأغلاط والأخطاء التاريخية، وخاصّة في تواريخ وَفَيَات الأعلام والمشاهير، بحيث يقدّم تواريخ وَفَيَات بعضهم، ويؤخّر البعض الآخر لعدّة سنوات عن التاريخ الصحيح، وأحيانًا لعشرات السنين، وأحيانًا أخرى لأكثر من قرن. وعلى سبيل المِثال لا الحصر، فقد جاءت وفاة "مجاهد بن جبر المقرئ" في سنة ١٤٥ هـ. والصواب أنه توفي سنة ١٠٣ هـ. وجاءت وفاة "سيبَوَيْه" في سنة ١٦١ هـ. والصحيح المشهور أنه توفي سنة ١٨٠ هـ. ووردت وفاة "عبد الله بن شُبْرُمة القاضي" في سنة ١٦٣ هـ. والصحيح وفاته سنة ١٤٤ هـ، وتَقدّمت وفاة كلٍّ من "الليث بن سعد" و"مالك بن أنس" عشر سنوات تمامًا عن التاريخ الصحيح للوفاة. وذكر وفاة "الإمام
_________
(١) البستان - نسخة اكسفورد، رقم ١٧٢ - ورقة ١ و٥٤.
1 / 7
البخاري" في سنة ١٩٣ هـ. والصواب وفاته في سنة ٢٥٦ هـ. وذكر ابتداء دولة "ابن طولون" في سنة ٢٥١ هـ والصواب في سنة ٢٦٤ هـ. وذكر أنّ الخليفة العبّاسي "المطيع لله" أشخَصَ "أبا العلاء المَعَرّي" الشاعر المشهور إلى بغداد في سنة ٣٩٨ هـ. مع العِلم أن "المطيع لله" كان قد توفي قبل ذلك بأكثر من ثلاثين عامًا، وبالتحديد سنة ٣٦٤ هـ.! ولا يعقل أن يغلط "العماد" هذه الأغلاط الفاحشة وهو المؤرّخ الثبْت الثقة.
٤ - تضمّن الكتاب عدّة أخبار عَجيبة ومستَنكَرَة لا تَصحّ مطلقًا، مثل خبر زواج "الإمام الشافعيّ" من امرأة باليمن لها رأسان وجسدان وغير ذلك، وأنه أقام معها سنة ثم طلّقها وسافر، ثم عاد إلى اليمن، فوجد الجسد الواحد ورأسه قد مات (١). . إلى ما هنالك من تخاريف وأخبار عجيبة أخرى، لا يعقل أن يأتي "العماد" بمثلها.
٥ - إنّ المؤرّخ "ابن أيبك الدواداري" المتَوفّى حوالى سنة ٧٣٧ هـ، ينقل حرفيًّا عن كتاب "البستان" في مواضع كثيرة من موسوعته "كنز الدُّرَر وجامع الغُرر"، وخاصّة في الجزء الخامس: "الدرّة السنية في أخبار الدولة العباسية" (٢)، والجزء السادس: "الدرّة المضيّة في أخبار الدولة الفاطمية" (٣) والجزء السابع: "الدرّ المطلوب في أخبار ملوك بني أيّوب" (٤)، ولم يذكر أنه ينقل عن "العماد"، رغم أنه ذكر اسم كتاب "البرق الشاميّ" بين مصادره، وهو -حتمًا- غير كتاب "البرق الشامي" المعروف للعماد (٥)، لاختلاف الأسلوب والمضمون (٦).
٦ - يذكر " الحافظ الذهبيّ" المتوفَّى سنة ٧٤٨ هـ. في "تاريخ الإسلام ووَفَيَّات المشاهير والأعلام" (٧) خبرًا عن إرجاف المنجّمين بخراب العالم، وهو يصرّح بأنه ينقل عن "العماد الكاتب الأصفهاني"، والنصّ الذي أورده يختلف -لفظًا ومضمونًا- عن النصّ المذكور في "البستان" (٨)، وهذا يؤكّد أنّ كتاب "البستان" ليس للعماد الأصفهانيّ الكاتب المعروف.
_________
(١) البستان - حوادث سنة ١٦٨ هـ - نسخة أحمد الثالث، ورقة ٧٨ و٧٩.
(٢) نُشر بتحقيق دوروتيا كرافولسكي - بيروت ١٤١٣ هـ/ ١٩٩٢ م.
(٣) نُشر بتحقيق د. صلاح الدين المنجد - القاهرة ١٣٨٠ هـ/ ١٩٦١ م.
(٤) نُشِر بتحقيق د. سعيد عبد الفتاح عاشور - القاهرة ١٩٧٢ م.
(٥) نُشِر منه الجزءان ٣ و٥ بتحقيق د. مصطفى الحيّاري - منشورات مؤسّسة عبد الحميد شومان - عمّان ١٩٨٧ م.
(٦) راجع الأوراق ١٣٣ و١٣٤ و١٣٥ حوادت سنة ٣٣٤ و٣٣٥ و٣٣٦ هـ. (نسخة أحمد الثالث).
(٧) نُشر بتحقيقنا كاملًا في (٥٢ مجلَّدًا) - طبعة دار الكتاب الحربي، بيروت - انظر حوادث سنة ٥٨٢ هـ - ص ١٠، ١١ و١٣ (حوادث ووفيات ٥٨١ - ٥٩٠ هـ). طبعة ١٤١٧ هـ/ ١٩٩٦ م.
(٨) البستان، نسخة أحمد الثالث - حوادث سنة ٥٨١ هـ - ورقة ٢٤٦.
1 / 8
إذًا، من هو مؤلّف الكتاب؟
- إنه سؤال تصعُب الإجابة عليه حتى الآن، وسيظل اسمه لُغْزًا، إذ ليس في الكتاب أيّة إشارةٍ تدلّ عليه. ولا شيء يدل على أنه شخص آخر يحمل اسم "عماد الدين القاضي الأصفهاني" المتوفَّى بعد سنة ٥٩٣ هـ،/ ١١٠٧ م (١). إذ مع اهتمامي وبحثي الدائم في كتب التراث وطبقات الرجال والتراجم، فإنّني لم أقف على اسم مشابهٍ للعماد الأصفهاني، لا في القرن السادس الهجري، ولا في غيره.
وعندما صرّح "ابن خَلِّكان" بالنقل عن كتاب "البستان" لم يذكر اسم مؤلّفه، وهذا يعني أنه كان مجهولًا لديه في القرن السابع الهجري، لوفاة "ابن خلّكان" في سنة ٦٨١ هـ، وهو ذكر "البستان" في ترجمة "أبي الحسين أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي" وقد أرّخ وفاته في سنة ٢٤٥ هـ. فقال: "ذكر في البستان أنه تُوفي سنة خمسين" (٢) وقد علّق الدكتور "إحسان عباس" على هذه المعلومة بقوله: "هذا الاسم ينصرف إلى غير كتاب، ولعلّ المقصود هنا "البستان في النوادر والغرائب" للشيخ أبي حامد الإسفرايني" (٣).
ويقول طالب العلم "عمر عبد السلام تدمري": إن ما ذهب إليه الدكتور "إحسان عباس" غير صحيح، فالمقصود -قطعًا- هو كتاب "البستان" الذي بين أيدينا، فهو الذي يذكر موت "الراوندي" في سنة ٢٥٠ هـ (٤).
وعاد "ابن خَلّكان" فاعتمد على "البستان" ثانيةً، وأشار إلى مؤلّفه بقوله: "صاحب كتاب البستان .. "، وهو يؤزخ لوفاة "أبي علي يحيى بن عيسى بن جَزْلة الطبيب"، فقال: "وذكر صاحب كتاب البستان الجامع لتواريخ الزمان أن ابن جَزْلَة مات سنة ثلاثٍ وتسعين وأربعين" (٥). وقد ذُكر "ابن جَزْلة" فعلًا في "البستان" في السنة المذكورة (٦).
* * *
_________
(١) مال الدكتور شاكر مصطفى إلى نسبة الكتاب إليه. انظر: التاريخ العربي والمؤرّخون ٢/ ٢٩١، ٢٩٢.
(٢) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خَلّكان - تحقيق د. إحسان عباس - طبعة دار الثقافة، بيروت ١٩٧٢ - ج ١/ ٩٤.
(٣) وفيات الأعيان ١/ ٩٤ الحاشية (٢) وقد توفي أبو حامد الإسفراييني في سنة ٤٠٦ هـ.
(٤) البستان - نسخة أحمد الثالث - ورقة ١٠٣ - سنة ٢٥٠ هـ.
(٥) وفيات الأعيان ٦/ ٢٦٨.
(٦) البستان - آخر الورقة ١٨٥ - سنة ٤٩٣ هـ.
1 / 9
إنّ من يطالع الكتاب ويقرأ ما جاء عن مدينة الموصل من أخبار، أكثرها يكاد يكون نادرًا، يظن أن المؤلف عراقيّ من أهل الموصل (١)، ومن يقرأ أخبار حلب يظنّ أنّ المؤلّف حلبيّ، ومن يقرأ أخبار مصر يظن أنه مصريّ، لتفرُّده بأخبار عنها لم يذكرها غيره، ولعلّه تنقل بين العراق وبلاد الشام ومصر، والأرجح أنه إمّا من الشام أو من العراق، لاعتماده الأسماء السريانية للشهور، مثل "حزيران" و"تمّوز" وغيره، فلو كان مصرّيًا لاعتمد الشهور اليونانية أو القبطية. وليس في الكتاب سوى إشارتين عن لسان المؤلف، دون الإفصاح عن اسمه، الأولى في المقدّمة، حيث يقول: "فإنه سألني من يعزّ عليّ أن أنظم له تاريخًا مختصرًا ليستريح به إليه في خلوته، وينشرح صدره بمطالعته، فأجبته إلى ذلك واعتمدت على الإعانة من الله تعالى والقبول له. . ". والموضع الثاني، أثناء حوادث سنة ٥٧٩ هـ. عند الحديث عن عثور خبايا مطمورة في ضيعة بوصِير السّدْر من أعمال مصر القديمة (٢).
كما يُبْدِي المؤلف رأيه مرّتين في ثنايا الكتاب، فهو يرى "فساد التواريخ لتقادُم زمنها وتغيُّر الألسِنَة" (٣)، و"إنّ المطالب مدائن وقرى يغطّيها الرمل والتراب، ويكون فيها خبايا وغيرها، فتوجد بعد حينِ من الدهر، فيُقال: ضبطنا مطالب. وكذلك الكيمياء، إنّما هي زَغَل، وعند جميع أهل العلم: إن الذَهَب والفضّة معادن" (٤).
ويبدو أنه كان يميل إلى الأدب، ولكنّه لم يَنْظم الشِعر، أو على الأقلّ، لم نر له شِعرًا في الكتاب، إتما هو يستشهد بأقوال بعضهم، كما في حوادث سنة ٥٧٩ هـ (٥). وحوادث سنة ٥٩٠ هـ (٦).
مصادر المؤلّف
يعتمد المؤلّف على عدّة مصادر في جمع مادّة الكتاب، ومع ذلك فهو لا يصرّح إلّا بالنقل عن "تاريخ الرسل والملوك" المعروف بتاريخ الطبري (٧)، و"بعض تواريخ أهل التوراة" (٨)، و"تاريخ زبدة الفكرة" الذي كتبه "الحسن الثوري" حسب قوله (٩).
_________
(١) انظر أخبارًا عن الموصل في سنوات ١٣٣ و١٣٥ و١٣٧ و١٣٨ و١٤٢ و١٥٠ و١٦٧ و١٧١ و١٧٥ و١٧٧ و١٧٨ و١٧٩ و٢٠٣ و٢١٤ و٢١٥ وغيرها.
(٢) البستان - ورقة ٢٤٤ - سنة ٥٧٩ هـ.
(٣) البستان - ص ٣.
(٤) البستان - ورقة ٢٤٤.
(٥) البستان - ورقة ٢٤٤.
(٦) البستان - ورقة ٢٦٦.
(٧) البستان - ورقة ١٤ و١٧.
(٨) البستان - نسخة بودليان بأكسفورد، حوادث سنة ٦٠ هـ.
(٩) البستان - ورقة ١٩.
1 / 10
ومن المؤكّد أنه ينقل عن كتاب "المعارف" لابن قُتَيبة الدّينَوَريّ، و"الطبقات الكبرى" لابن سعد، و"فتوح البلدان" للبلاذُريّ، و"تاريخ سِنِيّ ملوك الأرض والأنبياء" لحمزة الأصبهاني، و"الإنباء بأنباء الأنبياء" (١) للقُضَاعيّ.
ومن المحتَمَل -إنْ لم يكن من المرجَّح- أنه اطّلع على مصادر أخرى، ونقل عنها، إذ جاءت رواياته لبعض الأحداث والأخبار مطابقة لِما جاء فيها، مثل: "تاريخ اليعقوبي" و"البدء والتاريخ" لابن طاهر المقدسي، وكتاب "العنوان" المعروف بتاريخ المنبجي (٢)، و"مروج الذهب" للمسعودي، و"صلة تاريخ الطبري" لسعيد بن البطريق، و"تكملة تاريخ الطبري" للهمداني، و"أخبار مصر" لابن ميسّر، و"العيون والحدائق في أخبار الحقائق" لمؤرّخ مجهول، و"أنساب الأشراف" للبلاذُري، و"السِّيَر والمغازي" لابن إسحاق، و"السيرة النبوية" لابن هشام، و"الأوائل" للعسكري، و"تاريخ حلب" للعظيمي، و"تاريخ الموصل" للأزدي، وغيره.
وفي حوادث سنة ٥٨٩ هـ. يذكر أنه "حُكي عن ابن العميد، عمّن سمعه، أنه ورد من ملك الحبشة كتاب إلى سيف الإسلام صاحب اليمن" (٣)، ولم يوضح من هو "ابن العميد"، وهو غير "المكين أبي المكارم جرجس ابن العميد" المولود سنة ٦٠٢ والمتوفى سنة ٦٧٢ هـ.
وفي السنة ٥٨٩ هـ، أيضًا يُثبت نصّ كتاب "القاضي الفاضل" إلى الملك الظاهر الأيوبيّ صاحب حلب بالتعزية بوفاة الناصر صلاح الدين (٤)، ما يعني أنه كان على اطّلاع بالمكاتبات الديوانية.
ويتّضح ممّا بين أيدينا من مادّةٍ تاريخية أن المؤلّف واسع الاطّلاع، دلّت عليه الشمولية في تناوله للأحداث في المشرق والمغرب على السواء، فهو يتناول أخبارًا عن الهند، وبلاد خُراسان، والبلغار، والقُسطنطينية، وبلاد الروم، والعراق، والحجاز، وحضر موت، واليمن، وبلاد الشام، وقبرص، وأقريطش، وصقلّية، ومصر، والتوبة، وبرقة، والقيروان، والمغرب، والأندلس، وهذا التنوّع المكانيّ
_________
(١) وهو يُعرف بـ "عيون المعارف وأخبار الخلائف"، نُشِر بتحقيقنا بعنوان: الإنباء بأنباء الأنبياء وتواريخ الخلفاء وولايات الأمراء - طبعة المكتبة العصرية، صيدا وبيروت (ط ١) ١٩٩٨ (ط ٢) ١٩٩٩.
(٢) نُشِر منه بتحقيقنا تاريخ المسلمين (من العهد النبويّ إلى خلافة المهدي العباسي) نهاية الكتاب سنة ١٥٩ هـ- وذلك بعنوان: "المنتخب من تاريخ المنبجي" لأغابيوس بن قسطنطين المنبجي- طبعة دار المنصور، طرابلس ١٤٠٦ هـ / ١٩٨٦ م.
(٣) البستان - ورقة ٢٦١، ٢٦٢.
(٤) البستان - ورقة ٢٥٩، ٢٦٠.
1 / 11
لمجريات الأحداث بمداه الأوسع في آسيا، وإفريقيا، وأوروبا، يمثّل التأريخ "العالميّ" -إنْ جاز التعبير- في عصره.
كما يظهر جليًّا انعتاق المؤلّف من أسلوب المؤرّخين الحديثيين الذين يعتمدون على الأسانيد، كما هو الحال عند "الطبريّ" وغيره، بل هو لا يجد غضاضةً في تضمين الكتاب أخبار الغرائب والعجائب، والطرائف والنوادر، وهو يُضْفي، من حينٍ لآخر، لمسةً مُسلّية على الكتاب، ليخفّف على قارئه من الإلتزام الصارم بسرد الحوادث والوَفَيَات، ويهتمّ كثيرًا بأخبار الظواهر الطبيعية، وأخبار الكوارث من غلاء، ووباء، وطواعين، وطوفان، وسيول، وزلازل، ورياح، وعواصف، وصواعق، وثلوج، وحرائق، وأمطار، وكسوف، وخسوف، وسقوط شهاب، وانقضاض كوكب، وظهور مذنَّب، وجراد، وقحط، وزيادة مياه النيل، وانخفاض منسوبه، وتغيّر لونه، وانخساف الأرض، وغير ذلك من الأخبار العجيبة، فضلًا عن اهتمامه بالأبراج الفلكيّة.
والمُلْفِت أنّ المؤلّف يهتمّ بذكر أسماء المؤلّفِين وكُتُبهم، ويُفتَرَض أنه اطلع عليها، ومع ذلك فهو يخطئ في التأريخ لوَفَيَات المؤلّفين، ولتواريخ مؤلّفاتهم. فهو يؤرخ لوفاة "محمد بن جرير الطبري" في سنة ٣٠٥ هـ (١). والصواب ٣١٠ هـ. ويؤرّخ لوفاة "الخرائطي" صاحب "اعتلال القلوب" في سنة ٣٢٥ هـ (٢). والصواب وفاته في سنة ٣٢٧ هـ. ويؤرّخ لوفاة "ابن عبد ربّه الأندلسي" صاحب "العقد الفريد" في سنة ٣٢٦ هـ (٣). والصواب سنة ٣٢٨ هـ. ويؤرّخ لوفاة "الجهشياري" صاحب "الوزراء والكُتاب" في سنة ٣٢٨ هـ (٤). والصواب سنة ٣٣١ هـ.
وذكر أن "تاريخ سعيد بن بطريق" كان آخره في سنة ٢٩٨ (٥) هـ. والصواب أنّ الكتاب ينتهي في خلافة "الراضي العباسي" سنة ٣٢٦ هـ. ومات "ابن بطريق" في سنة ٣٢٨ هـ. ويذكر أنّ "آخر تاريخ الصابي" في سنة ٣٧٠ هـ (٦). ولم يوضح اسم الكتاب ولا اسم مؤلّفه، علمًا بأنّ "ابن هلال الصابي" توفي سنة ٤٤٨ هـ. وله أكثر من كتاب في التاريخ منها تاريخه الذي يشتمل على الحوادث من سنة ٣٦٠ حتى سنة ٤٤٧ هـ.
_________
(١) البستان - ورقة ١٢٤.
(٢) البستان - ورقة ١٣١.
(٣) البستان - ورقة ١٣١.
(٤) البستان - ورقة ١٣٢.
(٥) البستان - ورقة ١٢١.
(٦) البستان - ورقة ١٥٦.
1 / 12
ولا يوجد منه سوى قطعة صغيرة تشتمل على حوادث ٣٨٩ - ٣٩٣ هـ. ملحقة بكتابه "تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء". ولعل المراد كتاب "التاجي في أخبار الدولة الديلمية" الذي انتزعه أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الكاتب الصابي ووصل فيه إلى سنة ٣٦٠ هـ (١) وقد أصاب فذكر وفاته في سنة ٣٨٤ هـ (٢).
وذكر أن آخر "تاريخ الأنطاكي" في سنة ٤٥٨ هـ (٣). والصواب أن مؤلّف الكتاب "يحيى بن سعيد بن يحيى الأنطاكي" هو الذي توفي في السنة المذكورة، وأنّ آخر سنةِ في "تاريخه" هي سنة ٤٢٥ هـ (٤).
اعتماد المؤرّخين على "البستان"
تقدّم قبل قليل أنّ كتاب "البستان" كان بين مصادر "ابن خَلِّكان" في كتابه "وَفَيَات الأعيان"، حيث ذكره مرتين، ونقل عنه أكثر من مرة دون التصريح به، ويُعتبر المؤرّخ "أبو بكر بن عبد الله بن أيبك الدواداري" أكثر المؤرّخين اعتمادًا على كتاب "البستان"، وذلك في موسوعته التاريخية: "كنز الدُّرَر وجامع الغُرَر"، وخاصة في أجزائه الثلاثة: "الدُّرّة السنية في أخبار الدولة العباسية"، و"الدُّرّة المضية في أخبار الدولة الفاطمية"، و"الدُّرّ المطلوب في أخبار ملوك بني أيوب"، وقد سبق الإشارة إلى ذلك، ويكاد نقْله عنه يكون حرفيًّا، فقد يُثْبِت نصَّه كما هو، وقد يُنقِص جزءًا منه، وقد يزيد عليه، ويبدأ الاقتباس منه في العهد العباسي، وبالتحديد اعتبارًا من حوادث سنة ٢٨٦ هـ، على عهد الخليفة "المعتضد بالله" (٥)، وتبلغ الاقتباسات العشرات من النصوص، وقد نَدّ عن الأستاذة "دوروتيا كرافولسكي" ذِكر كتاب "البستان" بين مصادر "ابن أيبك"، في مقدّمتها، ولو وقفَتْ عليه لَصَحَّحَتْ وصوَّبَتْ عدّة أخطاء في نشرتها للدّرة السنية، بل، لَقَامتْ بترميم بعض النصوص التي تركَتْ فيها بياضًا. فابن أيبك يعتمد اسم "محمد بن الخليج" كما ورد في "البستان" في حوادث سنة ٢٩٠ هـ (٦)، وهو في "تاريخ حلب": "الخليجي" (٧)، وفي كل
_________
(١) انظر: المنتزع من كتاب التاجي لأبي إسحاق الصابي - تحقيق د. محمد حسين الزبيدي - سلسلة كتب التراث - بغداد؟
(٢) البستان - ورقة ١٦١.
(٣) البستان - ورقة ١٧٦.
(٤) انظر تاريخ الأنطاكي، المعروف بصلة تاريخ أوتيخا - بتحقيقنا - طبعة جرّوس برس، طرابلس ١٩٩٠.
(٥) البستان - ورقة ١١٥، وقارن بالدرّة السنية، ص ٣٠٥.
(٦) البستان - ورقة ١١٩، الدرّة السنية ٣٢٠، ٣٢١ (حوادث سنة ٢٩٤ هـ).
(٧) تاريخ حلب، للعظيمي - ص ٢٧٥ حوادث سنة ٢٩٣ هـ.
1 / 13
المصادر: "الخلنجي". وتركت الأستاذة "كرافولسكي" بياضًا في الصفحة ٣٧٤ من "الدرّة السنية" عند الحديث عن ذكِر بطريرك الروم "فليقُسْطُوا"، فأثبتَتْ هذه الكلمة وكأنها فِعْلُ أمر، وليست اسم بطريرك (١)، وهو "ثوفيلكطس بطريرك القسطنطينية" (٢).
وقد أفَدْنا كثيرًا -بدَوْرنا- من كتاب "ابن أيبك" إذ هو يصحّح بعض الأخطاء الواردة في مخطوطتي "البستان"، فقد جاء في "البستان" في حوادث سنة ٣٣٣ هـ: "مات المستكفي" (٣)! والصواب أنه: "خُلع"، كما في "الدرّة السنية"، فهو ينقل الخبر عن كتابنا، ولكنّه يصحِّحه، فقال في آخر حوادث سنة ٣٣٥ هـ: "وقيل في هذه السنة توفي المستكفي. والأول أصحّ. والله أعلم" (٤).
كما يفيدنا "ابن أَيْبك" بأسماء بعض المصادر التي ربّما نقل منها صاحب "البستان" أخباره، ففي "البستان" خبر عن الغلاء العظيم بالشام (٥)، وفي "الدرّة السنيّة" تفصيل لهذا الخبر، وفيه: "قال صاحب البرق الشامي إنه حصل في هذه السنة في الشام بكماله غلاء عظيم حتى أكلت الناس المَيْتَة وبعضُهم البعض، فجلبت الناسُ الغِلالَ من مصر، واتّفق خِسّة نِيلها، فتحرّكت الأسعار أيضًا بمصر" (٦)، فظهر لنا أنّ "البرق الشاميّ" - وهو لمؤلف مجهول- كان من بين مصادر المؤلّف.
وجاء في "البستان" أيضًا في حوادث سنة ٣٣٢ هـ: "وفيها فتح سيف الدولة بن حمدان أَرزَن الروم" (٧). ونقل "ابن أيبك" الخبر عن صاحب "البرق الشامي" وفيه: "إنه في سنة سبع وثلاثين فتح سيف الدولة بن حمدان الروم" (٨)! فالتاريخ الأخير هو الصحيح، يؤكده "ابن الأثير" في "الكامل في التاريخ" (٩)، إلا أن اسم المدينة "أَرزَن" سقط من "الدرّة المضيّة".
وفي حوادث سنة ٣٣٦ هـ، جاء في "البستان": "كثُر النزاع بمصر بين
_________
(١) قارن بين: البستان - ورقة ١٣٠، ١٣١، (حوادث ٣٢٤ هـ). والدرّة السنية ٣٧٤ السطر (١) حوادث سنتي ٣٢٦ و٣٢٧ هـ.
(٢) تاريخ الأنطاكي - بتحقيقنا - ص ٢١.
(٣) البستان - ورقة ١٣٣ ومثله في نسخة البودليان.
(٤) الدرّة السنية ٣٩٣.
(٥) البستان - ورقة ١٣٣ (حوادث ٣٣٤ هـ).
(٦) الدرّة السنية ٣٩٤.
(٧) البستان - ورقة ١٣٤.
(٨) الدرّة السنية - ص ٣٩٥.
(٩) الكامل في التاريخ، لابن الأثير - بتحقيقنا - طبعة دار الكتاب العربي، بيروت ١٩٩٧ - ج ٧/ ١٨٤.
1 / 14
القضاة، وحُمل مال عظيم إلى كافور، فنادى كافور: برِئت من أحدٍ دخل بين القضاة بوجهٍ ولا سبب" (١). وحين ذكر "ابن أيبك" هذا الخبر نقله مختَصَرًا عن "البرق الشامي" (٢) ما يؤكّد أنّ صاحب "البستان" يعتمده أيضًا.
وفي حوادث سنة ٣٣٩ هـ، يذكر صاحب "البستان" إحصائية عن مطبخ كافور وما كان يُطبخ فيه في اليوم الواحد (٣)، وينقل "ابن أيبك" هذا الخبر بشئٍ من الاختلاف عن كتاب يُدعَى: "تاريخ القيروان" (٤) دون ذِكر اسم صاحبه، والمرجَّح أنه كان من جملة مصادَر صاحب "البستان".
وينقل "ابن أيبك" عدّة أخبار عن "البستان" (٥) في حوادث سنة ٣٤٣ هـ، دون ذِكر مصدره.
وفي حوادث سنة ٣٥١ هـ، جاء في "الدرّة السنية" خبر ورود شيوخ طرسوس إلى كافور، وهو مختَصَر عن "البستان" دون التصريح بذلك (٦).
وأحيانًا، ينقل "ابن أيبك" عن "البستان" دون التحقق ممّا ينقله، رغم أنه غلط. ففي حوادث سنة ٣٥٥ هـ، يذكر صاحب "البستان" خبرًا يقول: "فيها فتحت الروم قِنّسرين وأحرقوا جامعها" (٧)، فنقل "ابن أيبك" هذا الخبر كما هو (٨)، والصواب أن الروم "فتحوا": "طرسوس" وليس قنّسرين (٩).
وما يقال عن "الدرّة السنية" يقال عن "الدرّة المضيّة" و"الدرّ المطلوب".
وكان "البستان" مصدرًا للمؤرّخ "ابن واصل" في "التاريخ الصالحيّ" (١٠)، وقد أشير إليه في عدّة مواضع على هوامش نسخة استانبول من "البستان". وكذلك اعتمد
_________
(١) البستان - ورقة ١٣٥.
(٢) الدرّة السنية - ٣٩٥.
(٣) البستان - ورقة ١٣٩.
(٤) الدرّة السنية - ص ٣٩٧، ٣٩٨.
(٥) البستان- ورقة ١٤١، الدرّة السنية ٣٩٩.
(٦) البستان - ورقة ١٥٠، الدرّة السنية - ص ٤٠٨، وذكرت محقّقة الكتاب بالحاشية (١١ - ١٢) أنها لم تقف على هذا الخبر في المصادر.
(٧) البستان - ورقة ١٥٢.
(٨) الدرّة السنية ٤١٢.
(٩) انظر: تكملة تاريخ الطبري ١/ ١٩٠، وتاريخ الأنطاكي (بتحقيقنا) ١٠٧، والمنتظم لابن الجوزي ١٤/ ١٥٥ (حوادث ٣٥٣ هـ) و١٦٢ (حوادث ٣٥٤ هـ)، ولم تتنبّه الأستاذة "كرافولسكي" في تحقيقها للدرّة إلى هذا الغلط!
(١٠) التاريخ الصالحي، لابن واصل - مخطوطة الفاتح باستانبول، رقم ٤٢٢٤، ورقة ٤٠ و٥٢ و٥٨.
1 / 15
صاحب "مختصر النوادر مما جرى للأوائل والأواخر" (١) على كتابنا هذا، وخاصّة في القسم الأول منه المتعلّق بأخبار الأنبياء، وكثيرًا ما تتّفق روايات "الكامل في التاريخ" لابن الأثير، وتاريخ ميخائيل "ميشيل" السُّرياني، و"تاريخ ابن أبي الهيجاء"، و"زبدة الحلب في تاريخ حلب" لابن العديم، و"تاريخ الإسلام" للذهبي، وغيره، مع روايات ونصوص الأخبار والوفَيَات في "البستان"، ممّا يدلّ على أهمّيته، كون مشاهير المؤرّخين اعتمدوا عليه.
مادّة الكتاب ومنهجيّته
تتناول مادّة الكتاب تاريخ البشرّية منذ بدء التناسل حتى التسعينيّات من القرن السادس الهجري، وبالتحديد حتى نهاية سنة ٥٩٣ هـ، واستُهِلّ الكتاب بمقدّمةٍ قصيرة لخّص فيها المؤلّف مضمونه، فابتدأ بتاريخ الأنبياء من "آدم" ﵇ إلى مولد النبيّ ﷺ وصفته، ثم هجرته، وسيرته سنةً بعد سنة، وما جرى في كل سنة من حوادث وأمور، وعهد الخلفاء الراشدين وما جرى في أيامهم من فتوحات، ومَن تُوفّي من الصحابة، سنةً بعد سنة. ومثل ذلك في عهد الخلفاء الأمويّين، ثم العبّاسيّين من بعدهم، ويبدو الحضور التاريخي لمدينة الموصل في هذه الفترة، ويَغْلِب ذِكْرُ الوَفَيَات على الحوادث في المرحلة الأولى من العصر العباسيّ، كلّ ذلك باختصارٍ وإيجازٍ شديدَيْن، ولكنّ المؤلّف يتوسّع في أخبار "المأمون" -قياسًا على غيره- ويأتي عنه بمعلومات نادرة، وخصوصًا أثناء دخوله مصر. ويتناول قيام دولة بني طولون، ثم الدولة الإخشيدية، ويأتي بأخبارٍ نادرة عن "كافور الإخشيدي"، وكذلك عن الشاعر "أبي الطيب المتنبّي"، وعن القرامطة، والحمدانيّين، والخارجين على الخلافة العباسية، ولا يخلو الكتاب من ذِكرٍ لبطارقة الإسكندرية، والقسطنطينية، وأنطاكية، وحملات الروم إلى بلاد الشام ومصر، برًّا وبحرًا، وقيام الدولة الفاطمية في مصر وأخبار خلفائها، وزوال الدولة السامانية، وأخبار السلاجقة والتُّرْك في بخارى، وما وراء النهر، وهمدان، وخُراسان، وأخبار الزَّنج، والمصامدة، وبني مرداس، والفِرَق الدينية من علويّين، وإسماعيلية، ودروز، وانقضاء دولة بني بُوَيه، وقيام دولة بني سلجوق، واستيلاء الفرنجة على بيت المقدس وسواحل الشام، وجهاد الناصر صلاح الدين الأيوبي، وإسقاطه للدولة الفاطمية في مصر، وفتوحاته، مع الإحاطة بأخبار متفرَّقة عن بلاد النُّوبة، وبرقة، وتونس، والقيروان، والمغرب الأقصى، والأندلس، وغير ذلك من أخبار الهند، وبلاد الروم، وجُزُر البحر المتوسط، حتى اليمن، وحضرمَوت.
_________
(١) مختصر النوادر مما جرى للأوائل والأواخر، لقَرَطاي الغزّي الخزنداري - مخطوطة استانبول رقم ٣٣٩٩.
1 / 16
ويذكر الوَفَيَات في سياق الحوادث دون توسُّع في الترجمة، وغالِبًا ما يكتفي باسم صاحب الوفاة، مثل قوله: "مات الحجّاج" و"ماتت الخَيزُران" و"توفي الزبيري"! و"ضَمْرة" و"الواقدي" و"أبو العتاهية"، وأحيانًا يذكر مولد أحدهم مقتصرًا على اسمه فقط، مثل "مولد جحظة" و"المُعِزّ" و"أبي حامد الإسفرايني".
وهو يؤرّخ للحوادث والوَفَيَات سنةً بعد سنة، على طريقة الحوليّات التي تعتمد على السرد دون ربط الحوادث ببعضها وتعليلها، وتقتصر بعض السنوات على ذِكر الوَفَيَات فقط (١)، ولا تزيد الترجمة على سطر واحد إلا فيما ندر. وعندما يذكر وفاة أحد الخلفاء أو السلاطين يكتفي بذِكر مدّة حكمه فقط، ثم يذكر الذي خَلَفَه، وكثيرًا ما يخطيء في تواريخ الوَفَيَات، وكذلك في التأريخ لبعض الحوادث.
وقد عملنا على تصحيح ذلك وتصويبه في الحواشي، أمّا الأغلاط والأخطاء والأوهام في أسماء بعض الأعلام، أو بعض الأماكن، فربّما تُعزَى إلى الناسخ للمخطوط.
ولقد أراد المؤلف أن يكون الكتاب مختَصَرًا قدْر الإمكان، كما أَلْمحَ إلى ذلك في أكثر من موضع، ولهذا ترك ما مجموعه (٤٥) سنة خالية من الحوادث والوَفَيَات، هي سنوات ١٧ و٤٧ و٤٨ و٤٩ و٥٦ و٨٩ و١١١ و١١٥ و١١٨ و١٢٢ و١٢٨ و١٤٧ و١٤٩ و١٥١ و١٦٥ و١٦٦ و١٧٢ و١٧٣ و١٨٥ و١٩١ و١٩٥ و١٩٨ و٢٢٧ و٢٣٤ و٢٣٥ و٢٣٨ و٢٤٣ و٢٤٤ و٢٤٩ و٢٦٤ و٢٨٢ و٢٩٥ و٣٠٨ و٣٤١ و٣٤٢ و٣٥٢ و٣٧١ و٤٠٠ و٤١٠ و٤٣٦ و٤٤٧ و٤٨٤ واقتصرت أخبار بعض السنين على كلمتين فحسْب، كما جاء في سنة ٢٧ هـ. "غزوة إفريقية" (٢)، أو ثلاث كلمات، كما في سنة ٤٢ هـ. "مولد الحَجّاج الثقفي"، وسنة ٤٣ هـ، "وفاة عمرو بن العاص"، أو أربع كلمات، كما في سنة ٧١ و٧٩ و١٠٩ و٢٥٧ و٢٧٦ هـ. أو خمس كلمات، كما في سنة ٢٩١ هـ. وفي بعض السنوات سطر واحد أو اثنان أو بضعة أسطر، وهذه الضحالة في المادّة التاريخية في النصف الأول من الكتاب تصبح موفورة وغزيرة في القسم الثاني منه، وخاصّة في السنوات المتأخرة منه، وهي التي عاصرها المؤلّف، بحيث بلغت في سنة ٥٨٨ هـ، أقصى حدودها (٧٦ سطرًا).
وفي الكتاب حيّزٌ موفور للظواهر الطبيعية من جهة، وللغرائب والعجائب من جهة أخرى، ففيه (١٤) أربعة عشر خبرًا عن الزلازل، منها ما يزيد على النصف لم يرد في "كتاب كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة" للسيوطيّ، وينبغي -برأينا- إعادة النظر في تحقيق كتاب "السيوطي" وإضافة ما ندّ عنه من أخبار الزلازل التي هي
_________
(١) انظر على سبيل المثال: البستان - ورقة ١١٠ سنة ٢٧١ هـ، وورقة ١١٣ سنة ٢٧٨ هـ.
(٢) البستان - ورقة ٣٩.
1 / 17
غايته، نذكر منها زلزال سنة ٧٠ هـ. وسنة ١٢١ هـ، وسنة ٢٧٢ هـ، و٢٧٤ هـ، و٣١٩ هـ، و٣٣٦ هـ، وعن هذه السنة جاء في "البستان": "وفيها كانت زلزلة عظيمة بمصر ليلًا، وخرج الناس من منازلهم". وذكر "ابن أيبك" هذا الخبر فقال: "وفيها كانت زلزلة عظيمة بمصر، وخرج الناس على وجوههم هاربين إلى الصحارى"، وأضاف: "هذا ما ذكره صاحب البرق الشامي. وأمّا غيره من جماعة أرباب التواريخ المصرية، مثل القاضي القضاعي، وابن عسكر، وغيرهم، فذكروا أن الزلزلة كانت بمصر في سنة أربعين وثلاثمائة حسبما يأتي من ذلك" (١). ولم يذكر "السيوطي" خبر هذه الزلزلة، مع أنه مصريّ، يؤرّخ لمصر، وكذلك لم يذكر خبر الزلزلة في سنة ٣٣٨ هـ. ففي "البستان": "وجاءت زلزلة بمصر يوم الأحد لستٍّ خَلَون في صفر، ثم عادت في ربيع الآخر، وخرج أهل بَنْها العسل إلى الصحراء، وأدخلوا البهائم في الغَيْط، وانشقّت الأرض، ثم مكثت ستة أشهر فلم تعد" (٢). والصحيح أنّ هذه الزلزلة كانت في سنة ٣٤٠ هـ. وهي في "العيون والحدائق" (٣) لمؤلّف مجهول، وفي "تاريخ الأنطاكي" (٤)، وفي "الدرّة السنية" "لابن أيبك" (٥)، ومع ذلك لم يذكرها "السيوطي"، وكذلك لم يذكر زلزلة سنة ٣٣٩ هـ (٦)، ولا سنة ٣٨٧ هـ (٧)، ولا زلزلة حلب في سنة ٣٩٠ هـ (٨)، ولا زلزلة مصر في سنة ٥٩٣ هـ (٩).
وذكر المؤلّف عشرة أخبار عن الكسوف والخسوف، وأحد عشر خبرًا عن الكواكب والشُهُب، وغير ذلك من رياح وصواعق وحرائق وغلاء ووباء وغيره.
وفي الكتاب أكثر من خبر تكرّر ذِكره، مثل خبر الزلزلة في سنة ٣٣٧ هـ، الذي أعيد في السنة التالية، وخبر خروج "كافور" في محمله إلى الحج في آخر سنة ٣٣٨ هـ، وقد أعيد ثانية في آخر سنة ٣٤٣ هـ. وخبر "المتنبي" و"النجّاد" المَعَرّي، فقد ذكره أولًا في سنة ٣٣٩ هـ، ثم أعاده في سنة ٣٤٧ هـ، وخبر السحابة بأصبهان الذي ذكره في سنة ٣٣٩ هـ، ثم أعاده في سنة ٣٤٧ هـ، وخبر
_________
(١) البستان - ورقة ١٣٥، الدرّة السنية - ص ٣٩٥.
(٢) البستان - ورقة ١٣٦.
(٣) العيون والحدائق في أخبار الحقائق، مجهول المؤلّف- ج ٤ ق ٢/ ١٩٣.
(٤) تاريخ الأنطاكي - بتحقيقنا - ص ٨٠.
(٥) الدرّة السنية - ص ٣٩٦.
(٦) البستان - ورقة ١٣٧، ١٣٨.
(٧) البستان - ورقة ١٦١.
(٨) البستان - ورقة ٢٦٦.
(٩) البستان - ورقة ٢٧٥.
1 / 18
السحابة بأصبهان الذي ذكره في سنة ٣٣٩ هـ، ثم أعاده في سنة ٣٤٤ هـ، وفيها ذكره "حمزة الأصبهاني" في: "تاريخ سِنِيّ ملوك الأرض والأنبياء" (١) بتفصيل أكثر.
ومن الأخبار النادرة والعجيبة التي انفرد بذِكرها ولم نقف عليها في المصادر المتوفّرة، خبر ولادة امرأة جَرْو كلب، وأقرَّتْ أنّ كلبًا وطِئَها (٢)، وخبر ظهور امرأة بجبل سمعان من أعمال حلب لها كلام دقيق في شرْع الإسلام وحدْس دقيق، بحيث أنها تعلم القاصدَ إليها في أن شيءٍ جاء. وأنّ الملك الظاهر صاحب حلب بعث إليها وتكلّم معها فرأى منها شيئًا عجيبًا (٣)، وخبر ضرب "محيي الدين بن زكيّ الدين" قاضي دمشق رجلًا يُعرف بالفأفاء بسبب كلام أخطأ فيه، فمات، وكان المضروب صاح: يا لله ويا للمسلمين، فلم يُغِثْه أحد، وقال: يا آل سنان. فطالب الإسماعيلية بدمه القاضي محيي الدين بهذا الوجه، فخاف القاضي منهم وتخفّى وعمل له سَرَبًا تحت الأرض يخرج منه إلى الجامع (٤). يضاف إلى هذا خبر زواج الإمام الشافعي من امرأة باليمن لها رأسان وجسدان، وقد سبقت الإشارة إلى هذا الخبر الباطل والمستهجَن.
ومن الأخبار الطريفة والغريبة التي يذكرها في سنة ٣٨٧ هـ نقلًا عن مصدرٍ لم يصرّح به، خبر اصطياد سمكة بدمياط طولها ٢٦٠ ذراعًا، وعرضها ١٠٠ ذراع، وكانت حمير البحر تدخل في جوفها موسقة تفرّغ وتوسق شحمًا من بطنها، وكان يقف في عينها خمسة رجال بأيديهم مَجَارِف وقفاف يعملون فيها بجرف الشحم، ويتناول منهم قوم آخرون من فوق رأسها، وهؤلاء يناولون قومًا آخرين. وأقام أهل دمياط، والبُشمور، والشرقية، والقاهرة، ومصر يأكلون من لحمها شهرًا (٥). وقد أورد "ابن أيبك" هذا الخبر في حوادث سنة ٤٠٨ هـ (٦)، فيما ذكره "ابن إياس" في "بدائع الزهور" في حوادث سنة ٣٨١ هـ، برواية الشيخ أبي القاسم عبد المجيد القرشي، وقد أورد روايته "ابن أبي حجلة التلمساني" المتوقى سنة ٧٧٦ هـ، في كتاب: "عجائب العجائب وغرائب الغرائب" (٧).
_________
(١) تاريخ سِنِي ملوك الأرض والأنبياء - ص ١٤٨، ١٤٩ - سنة ٣٤٤ هـ.
(٢) البستان - ورقة ٦٠ - سنة ٩١ هـ.
(٣) البستان - ورقة ٢٥٦ - سنة ٥٨٧ هـ.
(٤) البستان - ورقة ٢٦٣ - سنة ٥٨٩ هـ.
(٥) البستان - ورقة ١٦٢ - سنة ٣٨٧ هـ.
(٦) الدرّة المضيّة في أخبار الدولة الفاطمية - ص ٢٩٣، ٢٩٤ سنة ٤٠٨ هـ.
(٧) بدائع الزهور في وقائع الدهور - ج ١ ق ١ / ص ١٩٥.
1 / 19
وفي حوادث سنة ٤١٤ هـ، يروي أن رجلًا اصطاد بالجزيرة الخضراء من أعمال الأندلس جارية من البحر، وربط يديها ونكحها، فحملت منه ببنت شديدة الحُسن، وأنّ الجارية رمت بنفسها إلى البحر ومعها البنت، ثم ظهرت له بعد ثلاثة أيام وهي تمسك بصَدَفَة مُطبَقَة، فرمت بها إليه وغابت، فكان آخر العهد بها (١). وأورد "ابن أيبك" هذا الخبر في "الدّرّة المضيّة" نقلًا عن "ابن زولاق"، وفيه أنّ المولود كان ولدًا وليس بنتًا (٢).
إلّا أن أهمّية الكتاب تتمثّل في كثيرِ من الأخبار والمعلومات التي انفرد بها المؤلّف ولم نجدها في المصادر، مثل:
"فتح طاغية ملك الروم أنطاكية، وقصد الموصل فقتل مقتلة عظيمة، فاجتمع إليه في الجامع ثلاثون ألف خاتم القرآن" (٣).
وعن "أبي جعفر المنصور" يورِد نكتة لطيفة ونادرة:
" .. وكان أيام الفتنة مستترًا عند رجلٍ يُسمّى أزهر السمّاني، فلما ولي الخلافة دخل عليه فقال له: ما جاء بك؟
قال: جئت مهنّئًا.
فأعطاه اثني عشر ألف درهم وقال: لا تعُد تجيئني.
فأتاه بعد سنة، فقال له: ما جاء بك؟
فقال: جئت عائدًا.
فقال: لا شكّ أن الدَّراهم قد فرغتْ، فأعطاه اثني عشر ألف درهم. وقال: لا تعُد تجيئني مُهنّئًا ولا عائدًا، فما أعطيك شيئًا.
فجاء ثالث مرة، فقال: ما جاء بك؟
فقال: كنت سمعت عنك دعاءً، فجئت آخذُه عنك.
فقال له المنصور: إنه غير مستجاب. قال له المنصور: لأنّي قد دعوتُ الله به أن لا يقدَم بك عليّ، فجئتَ.
فصرفه ولم يُعطِه شيئًا" (٤).
_________
(١) البستان - ورقة ١٦٧، ١٦٨ - سنة ٤١٤ هـ.
(٢) الدرّة المضيّة - ص ٣١٧، ٣١٨.
(٣) البستان - ورقة ٧٠ - سنة ١٣٣ هـ.
(٤) البستان - ورقة ٧٧ - سنة ١٥٨ هـ.
1 / 20
و"هدم الرشيد سور الموصل ودخلها، وكان قد حلف أنه يقتل كل من رآه بها، فلم يظهر أحد واختفوا، فبَرّ في يمينه" (١).
و"حجّ هارون الرشيد ماشيًا حافيًا، وكان يقف حول البيت على الحصباء وينادي: يا رب، أنت أنت، وأنا أنا، أنت العزيز، وأنا الذليل. فقال ابن شقيق البلْخي لأبيه: يا أبتِ من هذا؟
فقال: يا بُنَيّ هذا جبار الأرض يتضرّع إلى جبّار السماء" (٢).
ويأتي المؤلّف على عدّة أخبار نادرة في عهد الخليفة "المأمون"، منها: "وقع جوعٍ شديد بفلسطين".
"واعتلت كنيسةُ القُمامة على بيت المقدس. فجعل توما الراهب يبني فيها قليلًا سرقة، فلما ورد عبد الله بن طاهر من مصر يريد العراق، رفع إليه المسلمون في النصارى وقالوا: تقدّموا بالقُمامة وجدّدوا بها، وكانت ضيّقة فزادوا فيها، فأحضر عبد الله توما الراهب وجماعة من النصارى فحبسهم وضربهم وجنّاهم ثلاثة آلاف دينار".
و" .. عصا أهل تَيْماء، فبلغ المأمونَ، فأرسل إليهم المعتصمَ، فقتل أكثرهم" (٣).
و"ورد عبد الله بن طاهر وزير المأمون إلى الشام بهدم حصونه، وهدم حصون المَعَرّة" (٤)، و"غزا المأمون، وكتب بالتكبير إلى كل مصر عقيب الصلاة".
و"أمر المأمون بنقْب أحد الهرَمَيْن بعد جَهدٍ شديد وعناء طويل، فوجد داخله بيتًا مهراقًا يهول أمره، ووجد في أعلاه بيتًا مكعّبًا، طول كل ضلع من أضلاعه ثمانية أذرُع، وفي وسطه حوض رُخام مُطبَق، فلما كُشِف وجد فيه رُمّةً بالية، وقُدّرت الموتة فكانت عظيمة، فأمر المأمون بالكفّ عمّا سواه".
و"نافق أهل البُشْمُور، واستفتى فقيهًا مالكيًّا يقال له "ابن مسكين" في قتالهم، فقال: لا يحلّ لك. فقال له المأمون: أنت تَيْس، ومالِكُ أتْيَسُ منك، إذا خرج الناس على الإمام أليس له قتالُهُم؟ فكيف إذا كانوا ذمّة. فخرج إليهم فقتل أكثرهم".
و"عند قدومه من مصر أمر بحدّ بِشْر المريسيّ قاضي بغداد قذف أبا بكر، وعمر، ﵄، فحدَّه اثني عشر حدًّا وهو مشبوح، فقال له المأمون: لا
_________
(١) البستان - ورقة ٨١ - سنة ١٧٨.
(٢) البستان - ورقة ٨١ - سنة ١٨٠ هـ.
(٣) البستان- ورقة ٨٩ - سنة ٢٠٤ هـ.
(٤) البستان - ورقة ٩٠ - سنة ٢٠٨ هـ.
1 / 21