(قال الفقيه) رحمه الله: ففي الخبر دليل أنه إذا أمسك الكلب للحاجة فلا بأس به وإن أمسكه للإغراء فهو مكروه. وروى إبراهيم النخعي أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لأهل بيت الوبر اقتناء الكلب. وروي عن وهب بن منبه أنه قال: إن آدم صلى الله تعالى عليه وسلم لما أهبط إلى الأرض قال إبليس للسباع: إن هذا عدوكم فأهلكوه فاجتمعوا وولوا أمرهم إلى الكلب وقالوا: أنت أشجعنا وجعلوه أميرا عليهم ، فلما رأى آدم ذلك تحير، فجاءه جبريل عليه السلام وقال له: امسح يدك على رأس الكلب ففعل ذلك، فلما رأت السباع أن الكلاب قد ألفت آدم تفرقوا فاستأمنه الكلب فأمنه آدم فبقي معه ومع أولاده، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الباب التاسع عشر بعد المائة: في الكلام في أمر المسخ
(قال الفقيه) رحمه الله: اختلف الناس في أمر الخلق الذين مسخهم الله تعالى. قال بعضهم: إن القردة والخنازير من نسل قوم قد مسخهم الله، وكذلك الفأرة والدعموص وغيرهما من الأشياء التي جاءت فيها الآثار أنهم مسخوا، وقال عامة أهل العلم: هذا لا يصح بل كانت القرود وغيرها قد خلقوا قبل ذلك والذين مسخهم الله تعالى قد هلكوا ولم يبق لهم نسل لأنهم قد أصابهم السخط والعذاب فلم يبق لهم قرار في الدنيا بعد ثلاثة أيام. وروى المسور بن الأحنف قال: قيل لعبد الله بن مسعود أرأيت القردة والخنازير من نسل القردة والخنازير التي كانت قبلها؟ قال عبد الله: لم تمسخ أمة فجعل لها نسل، ولكنها من نسل قردة وخنازير كانت قبل ذلك. وتكلموا في أمر الزهرة وسهيل وهما نجمان. قال بعضهم: هما ممسوخان وقد روي ذلك عن ابن عباس. وروى عطاء أن ابن عمر كان إذا رأى سهيلا شتمه وإذا رأى الزهرة شتمها وقال: إن سهيلا كان عشارا باليمن يظلم الناس، وإن الزهرة كانت صاحبة هاروت وماروت فمسخهما الله تعالى شهابا. وقال مجاهد: كان ابن عمر إذا قيل له طلعت الحمرة قال: لا مرحبا بها ولا أهلا. يعني الزهرة، وقال بعضهم: هذا لا يصح فإن هذه النجوم خلقت حين خلقت السماء لأنه روي في الخبر أن السماء لما خلقت خلق فيها سبعة دوارات: زحل والمشتري وبهرام والزهرة وعطارد والشمس والقمر، وهذا معنى قوله تعالى: {وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون} وجعل مصلحة الدنيا بهذه السبعة الدوارات ولكل واحد منها سلطان في نوع من المصلحة فجعل سلطان الزهرة الرطوبة، فثبت بهذا أن قول من قال إنهما ممسوخان لا يصح فإن الزهرة وسهيلا قد كانا قبل خلق آدم عليه السلام، والذي روي عن ابن عمر أن سهيلا كان عشارا باليمن وإن الزهرة فتنت هارون وماروت فمسخهما الله شهابا فهو كما قالوا كان رجل اسمه سهيل وامرأة اسمها زهرة فمسخهما الله تعالى شهابا ولكنهما لم يبقيا فهلكا وصارا إلى النار. وأما الذي قيل كان يشتمه فاحتمل أنه لم يشتم الكوكب وإنما شتم سهيلا الذي كان عشارا، وكذلك في الزهرة وإنما شتم المرأة التي كان اسمها الزهرة ولم يشتم الكوكب والله سبحانه وتعالى أعلم.
الباب العشرون بعد المائة: في الإيمان
Bogga 396