(قال الفقيه) رحمه الله: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة)) وروي أن رجلا جاء إلى الحسن البصري ليستشيره في تزويج ابنته فقال: زوجها من تقي فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها. وقال الحسن: جهد البلاء أربعة: كثرة العيال، وقلة المال، وجار السوء، وزوجة تخونك. وقيل لمالك بن دينار حين ماتت أم يحيى يا أبا يحيى: لو تزوجت؟ فقال: لو استطعت لطلقت نفسي. وقال بعض الأعراب: التزوج فرح شهر، وترح دهر، ووزن مهر، وقطع ظهر، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والناكح يستعف عن محارم الله، والمكاتب يريد الأداء)) وروي في الخبر أن رجلا من بني إسرائيل قال: لا أتزوج حتى أشاور مع مائة إنسان فشاور مع تسعة وتسعين وبقي واحد، فعزم أن أول من لقيه غدا يشاوره ويعمل برأيه، فلما أصبح وخرج من منزله لقي مجنونا راكبا على قصبة فاغتم لذلك ولم يجد بدا من الخروج من عهده فتقدم إليه فقال له المجنون: احذر فرسي كيلا تضربك، فقال له الرجل: احبس فرسك حتى أسألك عن شيء، فأوقفه فقال: إني قد عاهدت الله تعالى أن أستشير أول من يستقبلني وأنت أول من استقبلني فإني أريد أن أتزوج فكيف أتزوج؟ فقال له المجنون النساء ثلاثة: واحدة لك، وواحدة عليك، وواحدة عليك أو لك، ثم قال: احذر الفرس كيلا تضربك ومضى، فقال الرجل: إني لم أسأله عن تفسيره فلحقه فقال يا هذا احبس فرسك فحبسه فدنا منه وقال: فسره لي فإني لم أفهم مقالتك، فقال: أما التي لك فهي المرأة البكر فقلبها وحبها لك ولا تعرف أحدا غيرك، وأما التي عليك فالمتزوجة ذات ولد تأكل مالك وتبكي على الزوج الأول، وأما التي لك أو عليك فالمتزوجة التي لا ولد لها فإن كنت خيرا لها من الأول فهي لك وإلا فعليك، ثم مضى فلحقه الرجل فقال له: ويحك تكلمت بكلام الحكماء وعملك عمل المجانين؟ فقال: يا هذا إن بني إسرائيل أرادوا أن يجعلوني قاضيا فأبيت فألحوا علي فجعلت نفسي مجنونا حتى نجوت منهم. وروي في الخبر أن رجلا جاء إلى داود النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد أن أتزوج فكيف أتزوج؟ فقال: اذهب إلى سليمان ابني واسأله وكان سليمان ابن سبع سنين، فخرج الرجل إلى سليمان فوجده يلعب مع الصبيان وهو راكب على قصبة، فأتاه وقال له: إني أريد أن أتزوج فكيف أتزوج؟ قال سليمان عليه السلام: عليك بالذهب الأحمر والفضة البيضاء، واحذر الفرس كيلا تضربك فلم يفهم جوابه، وكان داود عليه السلام أمر الرجل أن يرجع إليه ويخبره بجوابه، فرجع إليه فأخبره بمقالته فقال له داود: أما الذهب الأحمر فالبكر، وأما الفضة البيضاء فالثيب الشابة، وقوله احذر الفرس كيلا تضربك: يعني إياك والعجوز أو ذات الأولاد. وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول: ((تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة)) وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا إن الله تعالى لعن أربعة وأمنت عليه الملائكة: رجل تحصر ولم يجعله الله حصورا، وامرأة تذكرت وإنما جعلها الله امرأة، ورجل تحنث والله تعالى خلقه ذكرا، والذي يضل الأعمى عن الطريق)).
الباب الخامس والخمسون بعد المائة: في ابتداء أمر النبي صلى
الله عليه وسلم
(قال الفقيه) رحمه الله: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ خمسا وعشرين سنة قال له عمه أبو طالب: يا ابن أخي والله مالي مال كثير فأزوجك من مالي ولا ترك أبوك شيئا فهل لك أن تأتي خديجة بنت خويلد فتؤاجر نفسك منها فإنها تعطي من آجرته بكرين فلعلها تزيدك بكرا آخر فجاء به إلى خديجة فقالت: نعم حبا وكرامة وسأزيدك بكرا مع بكريك، فخرج مع غلام لها يقال له ميسرة إلى ناحية الشام في سوق بصرى فأصاب ربحا كثيرا، وألقى الله تعالى محبته في قلب ميسرة، فلما رجعا من سفرهما ونزلا عند مر الظهران قال له ميسرة: يا محمد تقدم فبشر خديجة بما ربحنا فلعلها تزيدك بكرا آخر ففعل ذلك فزادته بكرا آخر، ثم إن ميسرة أخبر خديجة بأنه قد رأى من محمد صلى الله عليه وسلم في الطريق من العجائب والعلامات والبركات ما لا يحصى فوقعت محبته في قلب خديجة فرغبت فيه، فصنعت طعاما ودعت رؤساء قريش وطلبت من أبيها أن يزوجها من محمد صلى الله عليه وسلم فأبى وغضب فسقته الخمر حتى سكر ثم طلبت منه فزوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أفاق الشيخ رأى على ثيابه أثر الخلوق فقال لها: ما هذا؟ فقالت: زوجتني من محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال لها: قد خطبك أشراف قومك فأبيت ونكحت رجلا ليس له مال قالت: إنه لفي حسب ونسب، ولا حاجة لي إلى ماله فبنى بها، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة رأى شيئا في الهواء كأنه ظلة تهوي إليه ففزع من ذلك فسمع صوتا منه يقول: لا تخف فإني جبريل، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى خديجة حزينا وقال: إني رأيت شيئا خفته، وقال لا تخف فإني جبريل وأخاف على نفسي الجنون، فقامت خديجة وأتت إلى ورقة بن نوفل وكان ابن عمها وكان قد قرأ الكتاب وتبصر في العلوم، فقالت: يا بن العم إن صاحبي قد رأى شيئا وخاف منه وقال أنا جبريل، فقال ورقة بن نوفل: سبحان الله القدوس: جبريل ناموس الله الأكبر وسفيره إلى الأنبياء.
Bogga 420