216

Burhan

البرهان في علوم القرآن للإمام الحوفي - سورة يوسف دارسة وتحقيقا

Noocyada

يكون، ودليل ذلك في هذا: قول يوسف ﵇ ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾، ولذلك قال ﴿لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ (١).
وقولُهُ: ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ خبر من الله ﷿ عن غفلة عَرَضت ليوسف من قبل الشيطان نَسِيَ لها ذكر ربه الذي لو أنه استغاث به لأسرع مما هو فيه خلاصه، ولكنه زل بها فأطال من أجلها في السجن حبسه (٢)، وروي عن ابن عباس قال: قال النبي ﷺ: "لو لم يقل يعني، يوسف الكلمة التي قال ما لبث في السجن طول ما لبث، حيث ابتغى الفرج من عند غير الله (٣) ".

(١) ابن جرير، مرجع سابق، ١٦/ ١١١.
(٢) ابن جرير، مرجع سابق، ١٣/ ١٧٢.
(٣) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي، باب سورة يوسف- ﵇، ٧/ ٤٠، رقم الحديث ١١٠٨. قال: وفيه إبراهيم بن يزيد القرشي المكي وهو متروك. تفسير ابن كثير ط العلمية، باب تفسير سورة يوسف ﵇، الآيات: ٤٣، ٤/ ٣٣٥.قال: وهذا الحديث ضعيف جدا، البداية والنهاية لابن كثير، ذكر ما وقع من الأمور العجيبة، ١/ ٢٠٧. قال: والحديث الذي رواه ابن جرير في هذا الموضع ضعيف من كل وجه تفرد بإسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي وهو متروك. ووافقه الشيخ أحمد الشيخ شاكر قال تعليقًا علي الطبري: " إبراهيم بن يزيد الخوزي القرشي"، متروك منكر الحديث ابن جرير، مرجع سابق، ١٦/ ١١٢ ... بتصرف. عبدالرزاق، مرجع سابق، ١/ ٣٢٣. ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٨/ ٣٦٨.
فائدة: هذه من الإسرائيليات عن سبب لبث يوسف ﵇ في السجن لعدة أسباب منها: لأنها صورت سجن يوسف على أنه عقوبة من الله لأجل الكلمة التي قالها: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ أي قالها للساقي الذي ﴿ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا﴾ أثناء تعبيره للرؤيا لكل منهما، مع أنه ﵇ لم يقل اذكرني عند ربك يبتغي الفرج من عند غير الله، لأن ذلك محال في حق الأنبياء والمؤمنين والمخلصين فالاستعانة وطلب الفرح لا تكون إلا من الله سبحانه لقوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ سورة الفاتحة، الآية: ٥. وأمر رسولنا الكريم محمد ﷺ باتخاذ الأسباب فقال فيما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».صحيح مسلم، بَابٌ فِي الْأَمْرِ بِالْقُوَّةِ وَتَرْكِ الْعَجْزِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللهِ وَتَفْوِيضِ الْمَقَادِيرِ لِلَّهِ، ٤/ ٢٠٥٢. إن الأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى النجاة وتؤدي إلى إظهار وأسباب البراءة والحق لا يضر ولا ينافي قط التوكل على الله، ويوسف ﵇ عندما طلب بأن يذكره عند ربه كان من هذا القبيل وهو إظهار براءته وأنه دخل السجن ظلمًا وعدوًا. إن ما حدث ليوسف ﵇ هو ابتلاء وليس عقوبة كما تصور الروايات الإسرائيلية وإنما كان دخوله السجن لرفعة درجات وليكون الأسوة والقدوة في الصبر والرضا بالقضاء والقدر قال الرسول ﷺ: (أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ). وهذا الحديث ضعيف جدًا قال عنه الإمام الحافظ الناقد ابن كثير لوجود في سنده سفيان بن وكيع وهو ضعيف وإبراهيم بن يزيد وهو أضعف منه أيضًا، وقد روى عن الحسن وقتادة مرسلًا عن كل منهما، وهذه المرسلات هنا لا تقبل من قبل المرسل، في غير هذا الموطن فكيف فيما يتعلق بالأنبياء. يوجد تكلف واضح في تفسيره النص: ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ سورة يوسف، الآية: ٤٢. عندما جعل بعض المفسرين الضمير في أنساه يعود على يوسف ﵇ وهو غير صحيح، وإنما الذي يجب أن نعتقده أن الضمير يعود على الناجي من الاثنين وهو الساقي هو الذي نسي أن يذكر يوسف عند الملك لكي ينظر في قضيته التي سجن من أجلها وهو بريء فأنسى الشيطان ذلك الناجي تذكير الملك بقضية يوسف، وكان النسيان من جملة مكائد الشيطان، حتى لا يخرج نبي الله يوسف من السجن لزاول الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله ومقاومة الشرك ومحاربة وساوس الشيطان، فلبت في السجن منسيًا مظلومًا بضع سنين، وهذا الذي عليه أغلب المفسرين والذي أميل إليه وأرجحه. زهد، مرجع سابق، ص ٢٠ ... بتصرف.

1 / 216