[book 1]
[chapter 1: I 1] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب «أنولوطيقا الأواخر»، وهو المعروف بكتاب «البرهان» لأرسطوطالس، نقل أبى بشر متى بن يونس القنائى إلى العربى من نقل اسحق بن حنين إلى السريانى المقالة الأولى 〈نظرية البرهان〉
قال أرسطوطالس:
〈ضرورة المعرفة المتقدمة الوجود〉
Bogga 309
كل تعليم وكل تعلم ذهنى إنما يكون من معرفة متقدمة الوجود. وهذا يكون لنا ظاهرا، إذا ما نحن نظرنا فى جميعها: وذلك أن العلوم التعليمية بهذا النحو تحصل عندنا، وكل واحدة من تلك الصناعات الأخر. وعلى هذا المثال يجرى الأمر فى الأقاويل أيضا، أعنى التى تكون بالمقاييس والتى تكون باستقراء؛ فإن كلا العلمين إنما يجعلان التعليم بأشياء متقدمة المعرفة: فبعضها يقتضب اقتضابا على 〈أساس: إما أن الخصوم〉 فهموا، وبعضها يبين الكلى من قبل ظهور الجزئى. — وكذلك تقنع 〈الحجج〉 الخطبية، وذلك أنها إما أن تقنع بالأمثلة — وهذا هو الاستقراء، وإما بالأ〈نثومميا أى القياس الإضمارى، وهو〉 أيضا قياس. وقد تجب ضرورة ما يقدم فيعرف على جهتين: فبع〈ضها تحتاج من〉 الضرورة إلى أن تتقدم فتتصور أنها موجودة، وبعضها الأولى أن نفهم فيها على ماذا يدل القول. وبعض الأشياء قد تدعو الضرورة إلى أن يتقدم فيعرف من أمرها كلا الصنفين. مثال ذلك أن فى كل شىء قد يصدق إما الموجبة وإما السالبة، فإنه موجود؛ وأما فى المثلث فإنه يعرف أنه يدل على هذا الشىء؛ وأما فى الوحدة فكلا الصنفين: أعنى على ماذا يدل وأنها موجودة. وذلك أن كل واحد من هذه ليس هو معروفا لنا على مثال واحد.
Bogga 310
وقد يتعرف الإنسان بعض الأشياء، وقد كان عرفه قديما؛ وبعض الأشياء يعلمها من حيث يحصل تعرفها معا، مثال ذلك جميع الأشياء الموجودة تحت الأشياء الكلية التى هو مقتن لمعرفتها. فإنه أما أن «كل مثلث زواياه مساوية لقائمتين» فقد كان تقدم فعلم، وأما أن «هذا المرسوم فى نصف الدائرة وهو مثلث» فقد نتعرفه ونعلمه مع إحضارنا إياه (فإنه قد توجد بعض الأشياء تعلمها إنما يكون بهذا النحو، وليس إنما يعرف الأخير بالمتوسط: وهذه هى جميع ما كان من الأشياء الجزئية وليس يقال على موضوع) فقبل أن يحضر ويجابه أو يقبل القياس، فلعله قد يجب أن يقول إنا بنحوما نعرفه؛ وأما بنحو آخر فلا. وذلك أن الذى لم يكن يعلم أن هذا موجود على الإطلاق، فكيف يعلم أن زواياه مساوية لقائمتين على الإطلاق؟ لكن من البين أنه إنما يعلم هذا بأنه عالم بالكلى، وأما على الإطلاق فلا يعلم. وإلا فقد تلزم الحيرة المذكورة فى كتاب «مانن» وذلك أنه: إما ألا يكون الإنسان يعلم شيئا، وإما أن يكون إنما يتعلم الأشياء التى يعلمها. وليس ينبغى أن نقول فى هذا كما قال القوم الذين راموا أن يحلوها، فإنهم قالوا: أتراك تعلم أن كل ثنائية زوج، أم لا؟ فإذا 〈قال〉 إنى لأعلم ذلك، يحضرونه ثنائية ما لم يكن يظن: ولا أنها 〈موجودة〉 ولا أنها زوج. وذلك أنهم قد يحلون هذه بأن يقولوا 〈إنه ليس كل ثنا〉ئية يعلم أنها زوج، لكن إنما يعلم أنها زوج من يعلم أنها ثنائية ه〈ك〉ذا. على أنهم يعلمون ما عندهم البرهان عليه وما قد أخذوا برهانه. والبرهان الذى حصلوه ليس هو أن كل ما يعلمون أنه مثلث أو أنه عدد، لكن على الإطلاق فى كل عدد وكل مثلث. وذلك أنه ليس يقتضب ولا مقدمة واحدة هذه حالها، أعنى: «العدد الذى تعرفه» أو «المستقيم الخطوط الذى أنت عارف به»، لكن على الإطلاق. لكن لا شىء فيما أظن يمنع أن يكون الأمر الذى يعلمه الإنسان قد يعلمه من جهة ولا يعلمه من جهة. ذلك أن القبيح الشنيع ليس هو أن يكون ما يتعلمه يعرفه بنحو ما؛ لكن إنما القبيح أن يكون ذلك بهذا النحو الذى به يعلمه كما هو الأمر.
[chapter 2: I 2] 〈العلم والبرهان〉
وقد يظن بنا أنا نعرف كل واحد من الأمور على الإطلاق، 〈لا على طريق السوفسطائيين〉 الذى هو بطريق العرض، متى ظن بنا أنا قد تعرفنا العلة التى من أجلها الأمر، وأنها هى العلة، وأنه لا يمكن أن يكون الأمر على جهة أخرى. ومن البين أن هذا هو معنى: «أن يعلم». وذلك أن الذين لا يعلمون والذين يعلمون: أما أولئك فقد يتوهمون من أمر الشىء أن هذه حاله؛ وأما العلماء فقد يوجد لهم هذا المعنى. فإذن ما لنا العلم به 〈وجودا〉 لا يمكن 〈أن يكون〉 على جهة أخرى.
Bogga 312
فأما إن كان قد يوجد نحو آخر للعلم فإنا نخبر عنه بأخرة. وقد نقول إنا نعلم علما يقينا بالبرهان أيضا، وأعنى بالبرهان القياس المؤتلف اليقينى؛ وأعنى بالمؤتلف اليقينى الذى نعلمه بما هو موجود لنا. — فإن كان معنى أن يعلم هو على ما وضعنا، فقد يلزم ضرورة أن يكون العلم البرهانى من قضايا صادقة، وأوائل غير ذات وسط، وأن يكون أعرف من النتيجة، وأكثر تقدما منها، وأن يكون عللها. وذلك أنه بهذا النحو تكون مبادئ مناسبة أيضا. 〈على أن〉 الذى قد مر من القياس قد يكون من غير هذه أيضا، وأما البرهان فلا يكون، 〈لأنه لن يكون محصلا لليقين〉. أما أن تكون القضايا صادقة فقد يلزم من قبل أنه لا سبيل إلى أن يعلم 〈ما ليس〉 بموجود، مثال ذلك أن القطر 〈مشا〉رك للضلع. وأما أن البرهان من أوائل غير مبرهنة، 〈فذلك〉 أنه لم يكن يوجد السبيل إلى أن تعلم إذا لم يكن عليها برهان. وذلك أن معنى أن تعلم الأشياء التى عليها برهان لا بطريق العرض، إنما هو أن تقتنى البرهان عليها. — 〈ثم〉 وأن يكون عللا أيضا وأن يكون أعرف وأقدم: أما علل فمن قبل أنا حينئذ نعلم متى علمنا العلة. وأما أنها أقدم فإن كانت عللا؛ وأما أنها أعرف فلا بنحو واحد، أعنى بأن يفهمها، لكن بأن تعلم أنها موجودة —. وأن يكون أكثر تقدما وأعرف هو على ضربين: وذلك أنه ليس أن يكون الشىء متقدما عند الطبيعة وأن يكون عندنا أكثر تقدما هو معنى واحدا بعينه؛ ولا أيضا أن يكون أعرف عند الطبيعة وأن يكون أعرف عندنا معنى واحدا بعينه. وأعنى بالتى هى 〈أقدم وأعرف〉 عندنا 〈تلك التى تكون〉 أقرب إلى الحس. وأما التى هى أقدم وأعرف على الإطلاق 〈فإنها〉 هى الأشياء التى هى أكثر بعدا منه. والأشياء التى هى أبعد ما تكون منه هى الأمور الكلية خاصة. والتى هى أقرب ما يكون منه هى الأشياء الجزئية والوحيدة. فهذان قد يقابل بعضهما بعضا.
Bogga 314
ومعنى أنه من الأوائل هو أنه من مبادئ مناسبة. وذلك أنى إنما أعنى بالأول والمبدأ معنى واحدا بعينه. ومبدأ البرهان هو مقدمة غير ذات وسط. وغير ذات الوسط هى التى ليس توجد أخرى أقدم منها. فأما المقدمة فهى أحد جزئى 〈القول〉، أعنى 〈جعل〉 الحكم واحدا على واحد. وأما الديالقطقية، أعنى الجدلية، فهى التى تقتضب أحد جزئى المناقضة: أيهما كان. وأما الأبودقطقية، أى البرهانية، فهى أحد جزئى المناقضة مع التحديد، وهو الصادق. وأما الحكم فهو أى جزء كان من المقابلة. وأما المناقضة فهى أنطيئاسس، أعنى التقابل الذى الأوسط له بذاته. وجزء المناقضة: وأما ما كان على شىء فهو موجبه؛ وأما ما كان من شىء فهو سالبه. وأما المبادئ القياسية غير ذات وسط: أما ما كان لا سبيل إلى أن تبرهن، ولا أيضا يلزم ضرورة أن يكون حاصلا لمن يع〈ق〉ل شيئا ما، فإنى أسميه وضعا. وأما 〈ما كا〉ن منها لقد يجب ضرورة أن يكون المتعلم 〈حاصلا عليه فهو〉 أكسيوما، أعنى 〈الشىء〉 المتعارف: فإنه قد توجد بعض الأشياء 〈من هذا الجنس〉، وذلك أن عادتنا أن نستعمل هذا الاسم فى أمثال هذه خاصة. وأما الوضع فإنى أسمى ما يقتضب أى جزء من جزئى الحكم كان — وهو أن الشىء موجود أو غير موجود — أيوباثسيس، أعنى الأصل الموضوع؛ وأما ما كان غير هذا فالتحديد. فإن تحديد هو وضع، وذلك أن صاحب العدد 〈قد〉 يضع أن الوحدة ما لا ينقسم بالكم وضعا، وليس هو أصلا موضوعا. وذلك أن معنى ما هى الوحدة ومعنى أنها موجودة ليس هو واحدا بعينه.
Bogga 315
ولما كان قد يجب أن نصدق بالأمر ونعلمه من طريق ما لنا عليه، مثل هذا القياس الذى نسميه أبودكسيس، أعنى البرهان، وهذا هو موجود بأن هذه موجودة، أعنى التى منها يكون السلوجسموس نفسه، فقد يجب ضرورة ليس أن نكون عارفين بالأوائل فقط: إما بجميعها، وإما ببعضها — لكن أن نكون عارفين بها أكثر. وذلك أن ما من أجله يوجد كل واحد هو أبدا أكثر وجودا: مثال ذلك محبتنا للذى من أجله يحب أكثر.
فإن كنا إذن إنما نعلم ونتيقن ونصدق من أجل الأوائل، فتصديقنا وتيقننا لها أكثر، إذ كان تصديقنا بالأشياء الأخيرة إنما هو 〈عن طريقها. إلا أنه〉 غير ممكن أن يكون الإنسان عارفا أكثر من التى هو عالم بها بالأشياء التى يتفق له لا أن يعلمها، ولا أن يكون حاله فى علمها أفضل، ولا يكون حاله من أمرها كما لو اتفق له أن يعرفها. وهذا قد يلزم إن لم يتقدم الإنسان فيعرفها من التى إنما يصدق بها من أجل البرهان. فقد يلزم ضرورة أن يكون تصديقنا بالمبادئ — إما بجميعها أو ببعضها — أكثر من النتيجة.
Bogga 316
فمن كان عازما على اقتناء علم برهانى فقد يجب عليه لا أن يكون تعرفه وتصديقه بالمبادئ فقد أكثر من تعرفه وتصديقه لما يتبين منها، بل ألا يكون عنده شىء آخر من الأشياء المقابلة للمبادئ. وهذه هى الأشياء التى منها يكون قياس المغالطة المضاد أكثر تصديقا منها وأعرف، إذ كان قد يجب على من كان عالما على الإطلاق ألا يشوب تصديقه تغير.
[chapter 3: I 3] 〈نقد بعض الأغلاط فى العلم والبرهان〉
Bogga 317
فأما قوم فقد يظنون أنه — 〈لما〉 كان قد يجب أن تعلم الأوائل — فإنه ليس 〈تمكن ا〉لمعرفة. وقوم آخرون قد يظنون أنه قد توجد معرفة، غير أن البرهان قد يكون على كل شىء. وهذان الرأيان ولا واحد منهما صادق، ولا أيضا ضرورى. فإنه : أما أولئك فإنهم لما وضعوا أنه لا سبيل إلى علم شىء على وجه آخر، ولا يوجبون التصاعد إلى ما لا نهاية، قالوا بذلك من قبل أنه لا سبيل إلى علم الأشياء التى هى أكثر تأخرا من الأشياء التى هى أكثر تقدما من أمور لا أوائل لها. (وقولهم هذا مستقيم صواب، وذلك أنه غير ممكن أن نقطع الأشياء التى لا نهاية لها). فإن كانت متقدمة وقد توجد مبادئ فهذه هى غير معلومة، إذ كان ليس عليها برهان. وهذا هو الذى يقولون إنه وجده فقط معنى العلم.
فإن لم يكن سبيل إلى علم الأوائل، فإنه لا سبيل إلى أن نعلم على الإطلاق الأشياء أيضا التى عن هذه. ولا سبيل أيضا إلى أن تعلم على الحقيقة، اللهم إلا أن تكون بنحو الأصل الموضوع، وهو إن كانت تلك موجودة.
وأما أولئك الآخرون فقد يقرون ويذعنون بوجود العلم. وذلك أنهم يقولون إن العلم إنما هو بالبرهان فقط، غير أنهم يقولون إنه لا مانع يمنع أن يكون برهان على كل شىء. فإنهم زعموا أنه قد يمكن أن يكون البرهان دورا ولبعض الأشياء ببعض.
وأما نحن فنقول أن ليس كل علم فهو برهانا، لكن العلم الذى من غير توسط هو غير مبرهن. (فأما أن هذا واجب ضرورة فهو بين. وذلك أنه إن كان قد يجب ضرورة أن نعرف الأشياء التى هى أكثر 〈تقد〉ما والأشياء التى منها البرهان، وقد تقف المتوسطات وقتا ما: فهذه قد يجب ضرورة أن تكون غير مبرهنة). فهذا القول نقول فى هذه على هذا النحو؛ وأنه ليس إنما يوجد العلم فقط، بل قد نقول إنه يوجد أيضا مبدأ ما للعلم هو الذى به تتعرف الحدود.
Bogga 318
فأما أنه غير ممكن أن يتبين شىء على 〈شىء بالبرهان بالمعنى ال〉أدق فبين، إذ البرهان إنما يجب أن يكون من الأشياء التى هى أكثر تقدما 〈وأكثر معرفة، لأنه من المستحيل أن تكون أشياء بعينها بالنسبة إلى أشياء بعينها أكثر تقدما〉 وأكثر تأخرا 〈إلا〉 عند ما نسأل متى 〈يمكن〉 أن تكون: أما هذه فعندنا، وأما هذه فعلى الإطلاق — أنه 〈بهذه تكون الطريقة〉 التى يصير بها الشىء معروفا بالاستقراء. وإن كان هذا هكذا، لا يكون تحديد〈نا〉 بالمعنى العلم على الإطلاق جرى على الصواب، لكن يكون مضاعفا من قبل أن البرهان الآخر لا يكون على الإطلاق من الأشياء التى هى أعرف.
Bogga 319
وقد يلزم الذين يقولون إنه يكون البرهان بالدور ليس هذا الذى خبرنا به الان فقط، لكن ألا يكونوا يقولون شيئا آخر، غير أن هذا موجود بأن هذا الشىء نفسه موجود — وعلى هذا القياس قد يسهل أن يتبين كل شىء. ومن البين أن هذا لازم إذا وضعت حدود ثلاثة. وذلك أنه لا فرق بين أن يقال إن التحليل بالعكس قد يكون بأشياء كثيرة، وبين أن يقال إنه يكون بأشياء يسيرة. ولا فرق أيضا بين أن يقال إنه يكون بأشياء يسيرة، وبين أن يقال إنه يكون بشيئين. وذلك أنه إن كان متى كانت ا موجودة، كانت ٮ من الاضظرار موجودة، وإذا كانت هذه موجودة ف ح موجودة، فإنه إذا كانت ا موجودة قد تكون ح موجودة. فإن كان متى كانت ا موجودة تكون ٮ من الاضطرار موجودة، وإذا كانت 〈ٮ〉 موجودة ف ا موجودة (فإن هذا هو البرهان بالدور)، فلتوضع 〈ا مكان ح. وإذن فإن قولنا إن〉 كانت ٮ موجودة تكون ا موجودة، هو 〈القول بأنه إذا كانت ٮ موجودة فإن ح موجودة〉، وهذا هو أن يقال إنه متى كانت ا موجودة 〈فإن ح〉 موجودة. وح وا هما شىء واحد بعينه. فقد يلزم إذن القائلين 〈إن البرهان〉 يكون دورا 〈ألا يقولوا〉 أشياء أخر غير أنه إذا كانت ا موجودة 〈فإن ا موجودة، وبهذا〉 قد يسهل أن يتبين البرهان على كل شىء.
Bogga 320
〈وكذلك فإن مثل هذا البهران لا يمكن إلا فى〉 الأشياء التى يلزم بعض〈ها بعضا، مثل الصفات الحقيقية. كذلك فد أثبتنا أننا إذا قنعنا بأن نضع حدا〉 واحدا، أنه لا عندما توضع حدود 〈على نحو خاص〉، ولا أيضا عندما يوضع وضع 〈واحد〉 يلزم شىء آخر، وأنه إنما يمكن أقل ما يكون من وضعين أولين متى أردنا أن نقيس. فإن كانت ا لازمة ل ٮ وح، وكان هذان لازمين بعضهما بعضا ولازمين ل ا، فعلى هذا النحو قد يمكن أن يتبين البعض من البعض جميع الأشياء التى صودر عليها فى الشكل الأول عاما يبين فى الأقاويل فى القياس. وقد يبين أيضا أن فى الشكلين الآخرين إما ألا يكون قياس، وإما ألا يكون على الأشياء المأخوذة. فأما الأشياء التى لا تنعكس فتحمل، فالسبيل أن تتبين دورا. ولذلك لما كانت أمثال هذه فى البراهين يسيرة، فمن البين الظاهر أن القول بأن البرهان يكون من البعض على البعض — فإن من قبل هذا قد يمكن أن يكون برهان على كل شىء — هو قول باطل وغير ممكن.
[chapter 4: I 4] 〈تعريف ما هو بالكل وبالذات والكلى〉
ولما كان الأمر الذى العلم به على الإطلاق غير ممكن أن يكون على خلاف ما هو عليه، فمن الاضطرار أن يكون المعلوم هو الأمر الذى يكون بالعلم البرهانى. والعلم البرهانى هو الحاصل لنا من طريق أنه يحصل لنا برهانه: فالبرهان إذا هو قياس يكون عن مقدمات ضرورية. فقد ينبغى إذن أن يؤخذ من ماذا ومن أى الأشياء يكون البرهان. — ولنفصل أولا لماذا نقول: 〈محمول على كل موضوع، و〉لماذا 〈هو بذاته، ولماذا هو يقال بالكلى〉.
Bogga 321
〈أما〉 ما نقول فيه إنه على الكل، فهو شىء لم يكن على البعض 〈دون أن يكون〉 على البعض 〈الآخر〉، أولا كان فى وقت ما موجودا وفى وقت آخر غير موجود: مثال ذلك إن كان الحيوان على كل إنسان؛ فإنه إن كان القول فى هذا 〈إنه إنسان〉، فالقول فيه 〈إنه حيوان〉 أيضا صادق؛ وإن كان أحدهما الآن صادقا، 〈فالآخر كذلك صادق فى نفس الوقت. وإذا〉 كانت النقطة فى كل خط، 〈فالأمر على هذا النحو كذلك. والبرهان على ما قلنا〉 إنما يأتى بالمعاندة، فنعاند بها القول بأنه 〈إذا كان الحمل صحيحا على كل الموضوع، فإنه〉 موجود فى شىء ما، أو أنه ليس بموجود فى وقت ما.
و 〈ماهو «بذاته هو أولا»〉 الأشياء الموجودة فيها هو الشىء: مثال ذلك فى المثلث الخط، وفى الخط النقطة. وذلك أن جوهر هما هو فى هذه الأشياء.
Bogga 322
والأشياء التى توجد فى القول المخبر ماهو الشىء، وجميع ما كان من الأمور توجد الأشياء، تلك الأشياء موجودة فى القول المخبر ما هى. مثال ذلك: الاستقامة والانحناء موجودان للخط؛ والفرد والزوج للعدد؛ والأول والمركب؛ والمتساوى الأضلاع والمختلف الطول؛ وجميع هذه قد توجد فى القول المخبر ماهى: أما هنالك فالخط، وأما هاهنا فالعدد. — وكذلك فى تلك الأشياء الأخر الباقية أيضا، فإنى أقول لأمثال هذه إنها موجودة بذاتها للجزئيات والآحاد؛ فأما جميع الأشياء التى ليست موجوة على أحد هذين الضربين فهى أعراض: مثال ذلك الموسيقى أو البياض للحيوان.
وأيضا ما لا يقال على شىء آخر موضوع، مثال ذلك 〈بالنسبة إلى من〉 يمشى إنما هو الذى يمشى، وهو شىء آخر. وكذلك الأبيض أيضا. وأما الجوهر وكل ما يدل على المقصود إليه بالإشارة فليس إنما هى موجودة من حيث هو شىء آخر. — فالأشياء التى لا تقال على شىء موضوع أقول إنها بذاتها، وأما التى هى على موضوع فهى أعراض.
وأيضا على نحو آخر ما هو موجود لكل واحد من أجل ذاته، أقول إنه بذاته؛ وأما ما لم يكن من أجل ذاته فعرض. مثال ذلك إن كان عندما يمشى إنسان ما حدث البرق، فذلك عرض؛ وذلك أنه ليس إنما حدث البرق من أجل أنه يمشى، لكن إنما نقول إن هذا عرض واتفق. فأما إن كان من أجله نفسه فهو بذاته: مثال ذلك أن يكون الإنسان عندما ينحر يموت، فنقول إن ذلك بذاته من قبل أن ذلك كان بسبب الذبح، وليس إنما عرض واتفق أنه عندما ينحر يموت.
Bogga 323
والتى تقال فى المعلومات على الإطلاق 〈إما〉 على أنها موجودة فى المحمولات، وهذه موجودة فى تلك، فهى موجودة من أجل ذاتها من الاضطرار، وذلك أنه غير ممكن ألا تكون موجودة إما على الإطلاق وإما المتقابلة. مثال ذلك فى الخط: إما الاستقامة، وإما الانحناء؛ وفى العدد: إما الفرد وإما الزوج. وذلك أن المضاد إما عدم وإما نقيض فى ذلك الجنس نفسه: مثال ذلك: الزوج هو ما لم يكن فى العدد فردا من قبل أنه قد يلزم لزوما. فلهذا السبب كان من الاضطرار إما موجبة وإما سالبة. فمن الاضطرار أن هذه أيضا موجودة بذاتها. فبهذا النحو يتلخص ما هو على الكل وما هو بذاته.
Bogga 324
وأما الكلى فأعنى به الأمر الموجود للكل وبذاته وبما هو موجود. فمن البين إذن أن جميع الأشياء التى ه 〈ى كلية〉 هى موجودة للأمور من الاضطرار. وقولى «بذاته» وقولى «بما هو موجود» هما 〈أشياء واحدة〉 بأعيانها. مثال ذلك: أن النقطة موجودة للخط بذاتها والاستقامة أيضا، وذلك أنهما موجودان له بما هو خط. والتساوى أيضا للزاويتين القائمتين هو شىء موجود للمثلث بما هو مثلث، وذلك أن المثلث زواياه الثلاث مساوية لقائمتين بذاته. 〈والمحمول إن كان هو〉 الكلى، فحينئذ يكون موجودا — متى وجد — فى أى شىء اتفق، ويتبين أنه موجود فى الأول أيضا. مثال ذلك أن يكون التساوى للقائمتين، لا للشكل على طريق الكلية. هذا على أنه قد يوجد السبيل ليتبين أن للشكل زاويتين مساويتين لقائمتين، لكن ليس فى أى شكل اتفق، ولا أيضا يستعمل هذا المعنى المبرهن فى أى شكل اتفق. وذلك أن المربع هو شكل وليس له زوايا مساوية لقائمتين، لكن ليس ذلك أولا، لكن إنما ذلك أولا للمثلث. فالأمر الذى أى شىء اتفق منه هو الأول مما يتبين أن له زوايا مساوية لقائمتين أو ش〈يئا آخر،〉 أى شىء كان. فهذا هو موجود أولا على طريق الكلى. والبرهان 〈بذاته〉 على طريق الكلى هو لهذا. وأما تلك الأخر فذلك على نحو ما، لا بذاته، لوجود ذلك المتساوى الساقين ليس هو على طريق الكلى، لكن ذلك قد يقصد.
[chapter 5: I 5] 〈الأغلاط فى كلية البرهان〉
Bogga 325
وقد ينبغى ألا نختدع ويغيب عنا أنا مرات كثيرة قد يعرض أن نقول بأن نظن أنه ليس الأمر الذى يبين أولا كلى، أو عندما نظن أنه قد تبرهن الأول الكلى برهانا. وقد نختدع هذه الخدعة ويغنى عنا هذا المعنى: إما بأنه لا يوجد ولا شىء واحدا يقتضيه هو أعلى غير الأشياء الجزئية والوحيدة، فإما أن يوجد إلا أنه يكون الأمر المحمول على أمور مختلفة بالنوع غير مسمى؛ وإما أن يعرض أن يكون وجوده كالكل فى الجزء فى الأشياء التى يتبين فيها. وذلك أن فى الأشياء الجزئية قد يكون البرهان موجودا وعلى الكل، غير أنه ليس هو لهذا أولا على طريق الكلية. وأعنى بقولى لهذا أن يكون البرهان من طريق ما هو هذا متى كان له أول على طريق الكلية. فإن بين الإنسان أن الخطوط المستقيمة لا تلتقى، فقد يظن أن البرهان هو لهذا الشىء من قبل أنه موجود فى جميع المستقيمة. وليس الأمر هكذا، لأنه ليس بسبب أن هذه هى متساوية على هذه الجهة يكون هذا موجودا، لكن من قبل أنها متساوية كيفما اتفق. — ولو لم يكن مثلث إلا المثلث المتساوى الساقين، لقد كان لظان أن يظن أن البرهان هو له من حيث هو متساوى الساقين، — وأن يكون ما هو يتناسب بالتبديل متناسبا أيضا بما هى أعداد وبما هى خطوط وبما هى مجسمات وبما هى أزمنة، كما كان بينا على كل واحد منها على انفراده. فكان يمكن فى كلها أن يتبين أمرها ببرهان واحد، لكن أما كان ليس يوجد شىء واحد مسمى هو هذه بأجمعها، أعنى الأعداد والأطوال والأزمنة والمجسمات، وهى مختلفة بالنوع، فإنما كان يقتضب كل واحد منها على انفراده. 〈وأما البرهان الآن〉 فبما هو كلى يتبين. وذلك أنه لم يكن البرهان بما هى خطوط أو بما هى أعداد، لكن من قبل الأمر الذى من أجله يضعونه أنه كلى ولهذا السبب. ولا إن بين إنسان أيضا فى واحد واحد من المثلثات ببرهان واحد أو ببراهين مختلفة أن كل واحد من المتساوى الأضلاع على انفراده وغير المتساوى الأضلاع والمتساوى الساقين زوايا كل واحد منها مساوية لقائمتين، يكون قد يعلم أن المثلث زواياه الثلاث مساوية لقائمتين إلا أن يكون على ذلك النحو السوفسطائى، ولا أيضا على المثلث بأسره، ولا أيضا يعلم أنه ولا مثلث واحدا آخر خارج عن هذه. وذلك أنه ليس يعلم ذلك من أمره من طريق أنه مثلث ولا أيضا أن كل مثلث كذلك، لكن إنما يعلم من طريق العدد. وأما بالنوع فليس كل، ولا أيضا إن كان لا يوجد ولا واحد لا نعلمه.
فمتى إذن لا نعلم على طريق الكلى، ومتى يعلم على الإطلاق؟ فنقول إنه من البين أن ذلك إن كان الوجود للمثلث والمتساوى الأضلاع أو لواحد واحد أو لجميعها واحدا بعينه. فأما إن لم يكن الوجود لها واحدا بعينه، لكان الوجود قد يجب أن يكون معنى آخر، فإنه لا يعلم.
Bogga 327
فليت شعرى، البرهان إنما يوجد أولا وبالكلية بما هو مثلث أو بما هو متساوى الساقين؟ ومتى يكون من أجل هذا موجودا أولا؟ وبالجملة لأى شىء هو البرهان؟ فمن البين أن الأمر الذى إذا ارتفعت له يوجد أولا. مثال ذلك أن المثلث المتساوى الساقين المعمول من النحاس قد توجد الزوايا مساوية لقائمتين، لكن ذلك له وإن ارتفع منه أنه من نحاس وأنه متساوى الساقين أيضا. — إلا أنه ليس وإن ارتفع منه أنه شكل أو أنه نهاية، غير أن ذلك ليس من حيث هو هذان أول — فعند ماذا إذن أول؟ — فإن كان ثانيا يكون مثلثا. فمن أجل هذا يوجد البرهان لتلك الباقية. فالبرهان على طريق الكلى هو لهذا.
[chapter 6: I 6] 〈الضرورة فى مبادئ البرهان〉
فإن كان العلم البرهانى من مبادئ ضرورية (وذلك أن ما يعلمه الإنسان علما لا يمكن أن يكون على خلاف ما هو عليه) وكانت الأشياء الموجودة بذاتها هى الأمور الضرورية للأمور (إذ كان بعضها موجودا فى حدود الأمور، وبعضها — وهى التى أحد المتقابلين قد يلزم ضرورة أن يوجد فى الأمور للأمور نفسها — موجودة فى حدود المحمولات عليها) — فمن البين أن المقاييس البرهانية إنما تكون من أمثال هذه: وذلك أن كل شىء إما أن يكون موجودا بهذا النحو، وإما أن يكون بالعرض. والأشياء التى بالعرض ليست ضرورية.
Bogga 328
فإما أن يكون ينبغى أن نجرى القول على هذا النحو، وإما أن نضع مبدءا ما. فنقول: إن البرهان هو شىء ضرورى، وإن كان شىء ما قد يبين فإن هذا لا يمكن أن يكون على خلاف ما هو عليه، فقد يجب إذن أن يكون القياس من أشياء ضرورية . وذلك أنه قد يمكن الإنسان أن يقيس من مقدمات صادقة، من غير أن يبرهن. فأما أن يبين، فلا سبيل إلا من الضرورية: وذلك أن هذا هو خاصة البرهان. والدليل على أن البرهان إنما يكون من أشياء ضرورية هو أن المتعاندة إنما تأتى بها على الذين يظنون أنهم قد بينوا أشياء بأن يروا أن ليس ما يأتون به ضروريا، أو يمكن بالجملة أن يكون على جهة أخرى، أو أنه بحسب القول فقط.
فظاهر بين من هذه الأشياء أن الذين يظنون أنهم مصيبون فى أخذ المبادئ متى كانت المقدمة صادقة مشهورة هم قوم 〈فيهم ع〉ته: مثل ما يأتى به السوفسطائيون، وهو أن الذى له علم يعلم ماهو العلم. وذلك أنه ليس إنما تكون المقدمة مبدءا بأن تكون مقبولة أولا، لكن من طريق أنها أولى لذلك الجنس الذى عليه يكون البرهان. وليس كل حق هو مناسبا خاصيا.
Bogga 329
وقد يتبين من هذه الأشياء أيضا أن القياس قد يجب أن يكون من الأشياء الضرورية. وذلك أنه إن كان الذى ليس له عنده القول على لم الشىء — والبرهان موجود — ليس هو عالما. وهذا يكون بأن تكون ا موجودة ل ح من الضرورة، وأما ل ٮ التى هى أوسط وبتوسطه كان البرهان ليس هو من الضرورة فإنه لا يعلم لم هو. وذلك أن هذا ليس هو من أجل الأوسط إذ كان هذا قد يمكن ألا يكون، وأما النتيجة فهى ضرورية. — وأيضا إن كان الإنسان لا يعلم من حيث له القول الآن وهو باق والأمر الذى كان يعلمه من قبل باق ولم يتبعه. والأوسط قد يفسد فسادا من قبل أنه ليس هو ضروريا. فقد يكون القول إذن حاصلا له وباقيا والأمر باق، غير أنه لا يعلم. فإذن ولا فيما تقدم كان يعلم أيضا. فإن لم يكن الأوسط قد فسد، لكن قد يمكن أن يفسد، فالأمر اللازم هو ممكن، إلا أنه غير ممكن أن يكون لنا علم بالأشياء التى هذه حالها.
Bogga 330
أما إذا كانت النتيجة هى من الضرورة ، فلا مانع يمنع أن يكون الأوسط الذى به تثبت ليس هو ضروريا. وذلك أنه قد يمكن أن نقيس على الضرورى من أشياء غير ضرورى، كما يكون الصدق أيضا من أشياء غير صادقة. وأما متى كان الأوسط ضروريا، فالنتيجة أيضا موجودة من الضرورة، كما أن النتيجة التى من المقدمات الصادقة هى أيضا دائما صادقة. فلتكن ا على ٮ من الاضطرار، وهذه على ح : ف ا إذن موجودة أيضا ل ح من الاضطرار. فأما إذا لم تكن النتيجة ضرورية فولا الأوسط أيضا يمكن أن يكون ضروريا. وإلا، فلتكن ا موجودة ل ح ليس من الضرورة، و ل ٮ، وهذه أيضا ل ح من الاضطرار: ف ا إذن قد تكون موجودة ل ح من الاضطرار، لكن لم يوضع هذا. فلما كان متى علم الإنسان بطريق البرهان قد يجب أن يكون موجودا من الاضطرار، فمن البين أنه قد يجب أن يكون البرهان إنما هو حاصل لنا بأوسط هو أيضا ضرورى. وإلا لم يكن بالذى نعلم، لا لم الشىء ولا أن ذلك الأمر موجود من الاضطرار، لكن إنما يظن ظنا أنه يعلم، وهو لا يعلم إذ كان ظانا بالأمر الذى ليس هو ضروريا أنه ضرورى وإلا يكون يظن ولا ظنا أيضا كان عنده من أمر الشىء أنه قد كان عالما أنه موجود بالأوساط، أو كان عنده من أمره لم هو بالأوساط أيضا على مثال واحد.
Bogga 331