وأما الخطأ والصواب: فإن الصواب كل ما قصدت به شيئا فأصبت المقصد فيه، ولم تعدل عنه، ومنه قيل: "سهم صائب" وأصبت الغرض، وصواب القول من ذلك مأخوذ. ويقال: "قول صائب" من صاب يصوب وهو صائب. مثل قال يقول فهو قائل، وقول مصيب من أصبت في القول أصيب إصابة، وأنا مصيب، والقول مصيب. كما تقول أردت الشيء أريده إرادة فأنا مريد، والقول المصيب هو ما أعطي المفعول فيه اسم الفاعل مثل "راحلة"، وإنما هي مرحولة، "وعيشة راضية" وإما هي مرضية، ومدح الله - عز وجل - الصواب فقال: {يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا}. ومن الصواب أن يعرف أوقات الكلام، وأوقات السكوت، وأقدار الألفاظ، وأقدار المعاني، ومراتب القول، ومراتب المستمعين له، وحقوق المجالس وحقوق المخاطبات فيها، فيعطي كل شيء من ذلك حقه، ويضم كل شكل # منه إلى شكله، ويأتيه في وقته، وبحسب ما يوجبه الرأي له. فإنه متى أتى الإنسان بالكلام في وقته. أنجحت طلبته، وعظمت في الصواب منزلته، ولذلك ترى من له الحاجة إلى الرئيس يرقب لها وقتا يرى فيه نشيطا فيكلمه (في حاجته، فيكون يسير القول منه في ذلك القول، منجحا، ومتى عجل كلمته) وهو ضيق الصدر أو مشغولا ببعض الأمر، كان ذلك سبب حرمانه، وتعذر قضاء حاجته. وارتقاب الأوقات التي تصلح للقول، وانتهاز الفرصة فيها إذا أمكنت من أكثر أسباب الصواب، وأوضح طرقه، ثم متى سكت عن الكلام في الأوقات التي يجب أن يتكلم لحقه من الضرر بترك انتهاز الفرصة [فيها] مثل ما يلحقه من ضرر الكلام في غير وقته، ول لك قال أمير المؤمنين - عليه السلام -: "انتهزوا الفرص فإنها تمر كمر السحاب"، وللسكوت أوقات هو فيها أمثل من الكلام، وأصوب ما فيها السكوت عن جواب الأحمق، والهازل، والمتعنت، وفي ذلك يقول الشاعر:
(وأصمت عن جواب الجهل جهدي ... وبعض الصمت أبلغ في الجواب)
وقال بعضهم "رب سكوت أبلغ من منطق".
ومنها السكوت عن مقابلة السفيه على سفهه، واللئيم على ما ينالك به، والتصون عن إجابتهما، والحلم عما يبدر منهما، وقد مدح الله - عز وجل - الحلم فقال: {إن إبراهيم لأواه حليم} وسمي نفسه الحليم وقال الشاعر:
Bogga 208