قال: ولقد شهدت مرة ابن التستري، وكان يتقعر في منطقه، ويطلب السجع في كتبه، ويستعمل الغريب في ألفاظه، ولقد لقي امرأة عجوز فقال لها: "خل عن سنن الطريق يا قحمة" فظنت أنه يقول لها: يا قحبة، فتعلقت به وصاحت: يا معشر المسلمين # نصراني يقول لمسلمة: يا قحبة؟ فأخذته الأيدي والنعال حتى كاد [أن] يتلف؛ ولو كان لزوم السجع في القول، والإعراب في اللفظ هما البلاغة لكان الله - عز وجل - أولى باستعمالها في كلامه الذي هو أفضل الكلام. ولكان النبي - صلى الله عليه وسلم - والأئمة المهديون، (والسلف المتقدمون) قد استعملوها، ولزموا سبيلها، وسلكوا طريقهما، فاما ولسا واجدين مما في أيدينا من كلامهم استعمال السجع والغريب إلا في المواضع اليسيرة، فهم أولى بأن يقتدى بهم، ويحتذى بمناهجهم ممن قد نبت في هذا الوقت من هؤلاء الذين ليس معهم من البلاغة إلا إدعاؤها، ولا من الخطابة إلا التحلي باسمها.
ومما يزيد في حسن الخطابة وجلالة موقعها، جهارة الصوت، فإنه من أحد [أوصاف]، الخطباء، ولذلك قال الشاعر:
(جهير الكلام جهير العطاس ... سريع النياط جهير النغم)
وقال آخر:
(إن صاح يوما حسبت الصخر منحدرا ... والريح عاصفة والموج يلتعلم)
وذم آخر بعض الخطباء بدقة الصوت وضآلته فقال:
(ومن عجب الأيام أن قمت خاطبا ... وأنت ضئيل الصوت منتفخ السحر"
Bogga 167