فصل في حد العلم وحقيقته
٤٠- قال قائلون منا العلم تبين المعلوم على ما هو به وهذا مدخول من جهة أن التبين مشعر بوضوح الشيء عن إشكال وهذا يخرج العلم القديم عن الحد.
وقال [الشيخ] أبو الحسن ﵀ العلم ما يوجب لمن قام به كونه عالما.
وهذا وإن كان يطرد وينعكس فهو مدخول فإن من جهل العلم وحمله جهله به [على] السؤال عنه فهو جاهل بكل اسم مشتق منه ووضوح ذلك يغنى عن بسطه وأصدق شاهد في فساده جريانه في كل صفة يفرض السؤال عنها وهو بمثابة قول القائل العلم ما علمه الله تعالى علما.
وقال الأستاذ أبو بكر١ [بن فورك] ﵀ العلم ما يصح من المتصف به إحكام الفعل وإتقانه.
وليس من المقولات في حد العلم أظهر فسادا من هذا فإنه أولا حد العلم بكيفية العمل وخلى معظم العلوم على أن العلم لا يتأتى به الإحكام دون القدرة فيلزم من ذلك إدراج القدرة في حد العلم وإخراجها عن الرأي الذي رآه.
وقالت المعتزلة٢: حد العلم اعتقاد الشيء على ما هو به مع طمأنينة النفس.
وهذا بعد تطويل لا يليق بهذا المجموع باطل باعتقاد المقلد المصمم على عقده فإنه ليس علما عندهم وإن أنكروا الطمأنينة فيه كانوا مباهتين فإنا نرى الحشوي٣ من الحنابلة مصمما على عقد يتعلق بالمعتقد على ما هو به مع إنكاره.
_________
١ أبو بكر بن فورك هو: أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني الحافظ الكبير الثبت العلامة روى عن أبي سهل بن زياد القطان وآخرين وعنه أبو القاسم عبد الرحمن بن منده وآخرون كان قيما بعلم الحديث بصير بالرجال طويل الباع مات سنة "٤١٠" له ترجمة في: تاريخ أصبهان "١/١٦٨" والعبر "٣/١٠٢" والنجوم الزاهرة "٤/٢٤٥".
٢ تقدم التعريف بهذه الفرقة.
٣ الحشوي: قوم تمسكوا بالظواهر فذهبوا إلى التجسيم وغيره وسموا بذلك لأنهم كانوا في الحلقة الحسن البصري فوجدهم يتكلمون كلاما غير كلامه فقال: ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة. "كشاف اصطلاحات الفنون" ص "٣٩٤".
1 / 21