يشم في محال مصر شيئا من المسك الأذفر ولا الكافور والعنبر.
وحدثني في أثر ذلك صديقي السرخسي فقال: إن طباخا [49 ب] لنا أتى بقمامة فرماها إزاء باب دار منزلنا ببغداد فجلست لتأديبه قبالتها ودعوت بالمقارع، إذ أقبل رجل يسعى لشأن كأنما لم يخلق لغيره، فبحث القمامة بيده وأثار منها صوفا وزجاجا مكسرا فالتقفه ومضى مبادرا. ثم أتى آخر في أثره ينحو نحوه فبحث باقيها وأثار منها قشور جوز وقشور (1) فأخذ منها وولى منطلقا. ثم تلاهما ثالث يقفو أثرهما فأثار القمامة وأخرج ما كان فيها من النوى فأخذها ومضى. ثم أقبل قمام الحمام فغربلها وتزود ما فيها ثم مضى. ثم أقبل آخر معه فنخل التراب فاستخرج منه شيئا فأخذه ومضى. ثم جاء أجير الحراث فكسح باقيها وكان ترابا ورمادا فأخذه ومضى. قال: فأمسكت عن ضرب الغلام وقلت: ذلك تقدير العزيز العليم.
وما حاجتنا وما حاجتك إلى الانتصار بغير العيان والتظاهر على خصمائنا بغير ما هو لنا (2) في الزمان؟ هؤلاء المادرائيون أهلنا وأصحابنا وإخوتنا وأترابنا رؤساء مصر وسواسها وكتاب أعمالها وأربابها ذوو القدرة التامة والأمر النافذ والسلطان الظاهر والعز المتظاهر، يتطلع أعظمهم قدرا وأكبرهم أمرا وأعزهم شأنا وأوسعهم سلطانا إلى قوافل الحاج ووفود المجهزين من بغداد، حتى يستصحب لهم الخفاف الطائفية والنعال السندية والمقاريض الهيثمية والأمشاط الطاهرية والسكاكين الكتابية وكثيرا مما يصنع من الأبنوس والعاج والعام الموجود من العطر والزجاج. فما ظنك بما لا يتهيأ حمله ولا يسهل تجهيزه ونقله؟
ولست تجد كبيرا من كبراء الأطراف ولا عظيما من عظماء ملوك النواحي كملك الديلم والطيلسان وملك السوس ومن وراء آذربيجان وسائر المتغلبين من أولياء الدولة في مشارق الأرض ومغاربها إلا متبجحين بمن يصير إليهم ويلقاهم
Bogga 322