Buudiyada: Hordhac Kooban
البوذية: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
خلال مراحل التأمل الأعمق، تهدأ وظائف الجسم الأساسية، ويتوقف التنفس تماما. وتشير الأبحاث إلى أن المخ يولد قدرا أكبر من موجات ألفا في هذه الحالة، في إشارة إلى حالة إبداع مرتبط بالاسترخاء. وقد يحدث العديد من الأحاسيس الغريبة؛ فمن الشائع رؤية أشكال ضوئية، وكذلك الشعور بطفو أو بخفة في أطراف الجسم. وفي مستويات الغشية الأكثر عمقا، يقال إن الصفاء الذهني الطبيعي الذي يكون محجوبا عادة بضوضاء الوعي اليقظ، يظهر نفسه بوضوح كامل. والعقل في هذه الحالة يشبه الذهب أثناء عملية تنقيته؛ حيث يكون لينا ومطواعا، ويمكن تشكيل المشغولات النفيسة منه على يد فنان ماهر. وفي هذه الحالة يكون الفنان هو المتأمل، الذي تواصل مع مستويات النفس العميقة حتى أصبح مؤهلا للقيام بعملية إعادة تشكيل نفسه.
وتقدم الأدبيات اللاحقة قائمة مكونة من أربعين موضوعا للتأمل. واختيار الموضوع الصحيح يتطلب المهارة والتمييز، ويعد وجود معلم أمرا ذا أهمية بالغة في تقييم شخصية الطالب وتحديد الموضوع الصحيح الذي يناسب شخصيته واحتياجاته الروحية؛ فعلى سبيل المثال، قد يوجه الشخص المتعلق بالمتعة الجسدية إلى التأمل في الجسم من حيث عدم ديمومته وتعرضه للشيخوخة والمرض والخبائث التي يعج بها، من أجل تقليل تعلقه به. على الجانب الآخر، الشخص القليل التقوى يمكن أن يوجه إلى التأمل في بوذا وفضائله، أو في «الجواهر الثلاثة» وهي بوذا والدارما و«السانجا». وتوجد أيضا موضوعات أكثر ترويعا مثل الجثث المتفحمة والمقطعة الأوصال التي يراها المرء في ساحة حرق الجثث. الغرض من هذا التأمل هو مواجهة الموت وجها لوجه وإدراك الحاجة الملحة للاستغلال الأمثل للفرص النفيسة التي قدمها الميلاد البشري المتكرر.
حالات التأمل المطلق الأربع
من بين موضوعات التأمل الأكثر رواجا تبرز «حالات التأمل المطلق الأربع»، وهي: («براهما فيهارا») وتعني الحنان الناشئ عن الحب («ميتا»)، والشفقة («كارونا») والفرح المتعاطف («موديتا »)، والاتزان («أوبيكا»). وتتضمن ممارسة الحنان الناشئ عن الحب اكتساب توجه يكن اللطف والصداقة وحسن النية لكل الكائنات الحية. ويبدأ المتأمل بنفسه باعتباره موضوعا لحسن النية. وهذا المطلب لا يعني النرجسية، بل يقوم على ملاحظة ذكية تتمثل في أن الشخص يمكن أن يحب الآخرين فقط عندما يستطيع أن يحب نفسه؛ فالشخص الذي يعاني تدنيا في تقدير الذات، أو الذي أضناه كره نفسه، لن يكون قادرا على حب الآخرين حبا كاملا. ويجب أن يراجع المتأمل نقاطه الجيدة والسيئة بموضوعية قدر الإمكان، ويضع في اعتباره في الوقت نفسه فكرة «تمني نيل السعادة والتحرر من المعاناة». وبعد ذلك سيوسع تدريجيا دائرة الإحسان لتشمل الآخرين «مثلما يحدد الحراث الماهر أرضه ثم يغطيها»، فتضم العائلة والحي والمدينة والبلد والأمة، ومع مرور الوقت ستشمل كل المخلوقات الموجودة في العوالم الستة. ويجب أن يتذكر المتأمل في كل فرصة سانحة الأفعال الطيبة التي قدمها له الآخرون، حتى في الحيوات السابقة؛ فإنماء حسن النية الشامل على هذا النحو يحرر العقل من التحيز والهوى، ويبدأ المتأمل في التصرف تجاه الآخرين بحنان ودون تفرقة. أما إنماء الحالات المطلقة الثلاث المتبقية، فيتم على نحو مشابه؛ فمن خلال الشفقة يتوحد المتأمل مع الآخرين في معاناتهم، ومن خلال الفرح المتعاطف يبتهج لسعادتهم وحسن حظهم. ويضمن إنماء الاتزان أن تظل هذه الحالات المزاجية متوازنة دائما ومتوائمة مع الظروف.
التأمل وتصور الكون
كما أوضحنا في الفصل الثاني، في التقسيم الثلاثي للكون الذي يتكون - من منظور التصور البوذي - من عالم الرغبات الحسية وعالم الشكل النقي وعالم اللاشكلية، تتداخل طبوغرافية العالم الروحي والعالم المادي. وفي هذا المخطط الذي يوضح التصور البوذي للكون يوجد عالم البشر وعالم السموات الدنيا في الأسفل ضمن عالم الرغبات الحسية، في حين توجد مستويات «الجاهانا» المذكورة آنفا في المستوى الثاني من المخطط؛ أي في عالم الشكل النقي. وعلى هذا النحو، فإن الآلهة الموجودة في المستويات المختلفة لعالم الشكل النقي تعيش في الحالة الذهنية نفسها التي يستشعرها المتأمل في مستوى «الجاهانا» المرادف لهذا العالم . والنتيجة المباشرة لذلك تتمثل في أن التأمل يشعر المتأمل بحالة الوجود في السماء. وأضيفت إلى المخطط الأساسي لمستويات غشية «جاهانا» أربعة مستويات أخرى ووضحت في عالم اللاشكلية. وهذه المستويات الأربعة العليا أو «اللاشكلية» من غشية «جاهانا» (تسمى بهذا الاسم نظرا لأن وجودها في العالم اللاشكلي يجعل موضوعها ذهنيا تماما، بعيدا عن كل الأشكال) ترادف العوالم الكونية العليا الأربعة التي يمكن أن يحدث فيها الميلاد الجديد؛ ومن ثم فإن المخطط البوذي النهائي للكون التأملي يتكون من المستويات الثمانية لغشية «جاهانا» الموجودة في الثلثين العلويين للكون. على يد المعلم الأول اكتسب بوذا المستوى السابع من غشية جاهانا، وعلى يد معلمه الثاني اكتسب المستوى الثامن، وهو أعلى هذه المستويات. أما المستوى التاسع المعروف باسم «حالة التوقف» («نيرودا ساماباتي»)، فمذكور أيضا في بعض المصادر. وفي هذا المستوى تتعطل تماما كل العمليات الذهنية، بل يتوقف أيضا نبض القلب والتنفس. وتستمر الحياة ببساطة في صورة حرارة جسم متبقية. وقيل لنا إن الشخص يمكن أن يظل على هذه الحالة لعدة أيام، ويخرج منها في نهاية الأمر بطريقة عفوية في الوقت الذي حدده سابقا. وتعتبر هذه الحالة أقرب حالة يمكن لأي شخص الوصول إليها للشعور بالنيرفانا الأخيرة وهو لا يزال على قيد الحياة، وتوصف هذه الحالة بأنها «ملامسة النيرفانا بالجسد».
تأمل التبصر (فيباسانا)
إذا كان التأمل أسلوبا قويا لهذه الدرجة، فلماذا أدار بوذا ظهره لمعلميه؟ سبب ترك بوذا للتأمل هو أنه وجد أن الدخول في حالة غشية رغم ما يكسبه من حالة نعيم وصفاء لا يعدو كونه مجرد سلوى مؤقتة وليس حلا دائما للمعاناة؛ فحالات التأمل، مثل أي شيء آخر في «السامسارا»، منتهية وغير دائمة. أما ما فشل في تقديمه هذان المعلمان وأساليبهما التأملية، فهو توفير رؤية فلسفية عميقة عن طبيعة الأشياء، تلك الرؤية المطلوبة للتحرر الكامل.
ولذلك وضع بوذا أسلوبا تأمليا جديدا تماما لإكمال الأساليب التي تعلمها من معلميه. وأضاف بوذا إلى نوعية الأساليب الموصوفة للتو، التي يطلق عليها في البوذية اسم عام هو «التأمل الباعث على الهدوء» («ساماتا »)، نوعا جديدا يسمى «تأمل التبصر» («فيباسانا»). ولم يكن الهدف من هذا النوع من التأمل هو السلام والسكينة، بل توليد بصيرة نافذة وناقدة («بانيانيا»). وفي حين أنه في التأمل الباعث على الهدوء يتراجع النشاط الفكري في مرحلة مبكرة (عند الوصول إلى المستوى الثاني من غشية «جاهانا»)، فإنه في تأمل التبصر يكون هدف التمرين هو الاستغلال الكامل للملكات النقدية في تحليل ذاتي للحالة الذهنية للمتأمل. وعمليا، فإن كلا من أسلوب التأمل الباعث على الهدوء وأسلوب تأمل التبصر يستخدمان عادة واحدا تلو الآخر في الجلسة نفسها، وقد يستخدم أسلوب التأمل الباعث على الهدوء في البداية لتحقيق الصفاء الذهني، وبعد ذلك يستخدم أسلوب التبصر في الاستقصاء والتحليل. إن أسلوب تأمل الاستبصار مذكور في مصدر قديم كلاسيكي يعرف باسم «الأسس الأربعة لليقظة» (ماهاساتيباتهانا سوتا)، وروجها في القرن الماضي المعلم العلماني البورمي «أو با كين» (1899-1971) وتلميذها «إس إن جوينك» (ولد في عام 1924).
في تأمل التبصر يتفقد المتأمل كل وجه من وجوه تجربته الذاتية ويقسمها إلى أربع فئات، هي: الجسم وأحاسيسه المادية، والمشاعر، والحالة المزاجية، والأنماط الذهنية والأفكار. وقد تبدأ جلسة التأمل التقليدية بتوسيع نطاق الوعي بصعود وهبوط التنفس ليشمل بقية أجزاء الجسم. ويجب أن يلاحظ كل إحساس صغير من أحاسيس الجسم مثل الوخزات والآلام والحكات والنبضات والرغبة في الحركة وحك الجلد. ويجب ألا يستجيب المتأمل لهذه المثيرات؛ لأن الهدف من التمرين هو ملاحظة كيف تظهر وتتراجع أحاسيس الجسم بمنتهى الانتباه ودون اتخاذ أي رد فعل تجاهها بالطريقة العادية شبه التلقائية. ومن خلال تعلم الملاحظة دون الانهماك يمكن أن تنفك وتيرة المثير-الاستجابة التي تسيطر على السلوك البشري. وتدريجيا يدرك المتأمل أن المرء حر في اختيار طريقة رد فعله تجاه المواقف كلها، بصرف النظر عن الأساليب المستخدمة في استثارته. وبهذه الطريقة ستضعف سيطرة العادات المتأصلة منذ وقت طويل وكذلك الدوافع القهرية، وسيحل محلها إحساس جديد بالحرية. وسيمتد هذا التحليل تدريجيا ليشمل كل الجسم، وسيحمل المتأمل عقله مثل مشرط الجراح ليشرح أجزاء ووظائف الجسم المختلفة. ومن هذا الوعي يتضح أن الجسم ليس أكثر من مجرد تركيبة مؤقتة مكونة من عظام وأعصاب وأنسجة، وليس بالتأكيد شيئا يستحق الافتتان به أو التعلق به تعلقا مفرطا.
Bog aan la aqoon