Buudiyada: Hordhac Kooban
البوذية: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
شكل 7-2: مراحل الغشية (جاهانا) الثماني وسماتها المميزة.
تقر نظرية التأمل بوجود علاقة وثيقة بين الجسد والعقل؛ ومن ثم، قبل أن يتمكن العقل من أن يصبح هادئا تماما، لا بد أن يكون الجسد هادئا. والوضعية التقليدية للتأمل هي جلوس القرفصاء، باستخدام وسادة إذا اقتضت الضرورة، مع فرد الظهر، وإمالة الرأس قليلا، ووضع اليدين على الحجر؛ وتعرف هذه الوضعية ب «وضعية اللوتس» (انظر بوذا جالسا بهذه الوضعية في الصورة السابقة). وعلى الرغم من أن المبتدئ سيشعر بأن الجلوس بهذه الوضعية أمر غير طبيعي، فإنه مع قليل من الممارسة سيتمكن من الجلوس في هذه الوضعية لوقت أطول. وهذه الوضعية تسمح للمتأمل بالتنفس بعمق وبطريقة هادئة، وبأن يظل مستريحا مع الاحتفاظ بانتباهه. يمكن ممارسة التأمل في أي وضعية مريحة، لكن إذا كانت الوضعية مريحة للغاية فهناك احتمال بأن تتسبب في نوم المتأمل. من الواضح أن السيطرة على العقل أثناء النوم أمر صعب جدا، ورغم ذلك توجد ممارسة في التبت تعرف باسم «يوجا الحلم» ينمى فيها الوعي خلال الأحلام الواضحة.
وبمجرد التوصل إلى وضعية مريحة، يلزم اختيار موضوع للتأمل. عندما ترك بوذا منزله درس التأمل على يد معلمين، ومن الممكن أن نفترض على نحو عقلاني أن ما علماه إياه - كيفية الدخول في حالة غشية عميقة على وجه التحديد - كان مطابقا للتأمل الذي كانت ممارسته سائدة في ذلك الوقت. فما هي التعليمات التي قدمها معلما بوذا لتلميذهما؟ لا يمكن معرفة ذلك على نحو مؤكد، لكن ربما نصحاه بالتركيز على تنفسه، أو بتكرار «مانترا» لنفسه وهو صامت. أو من الممكن أن يكونا قد وضعا شيئا على بعد عدة أقدام من بوذا - شيئا صغيرا من الأشياء التي نستخدمها في حياتنا اليومية مثل أصيص أو زهرة - وطلبا منه دراستها على نحو دقيق، وملاحظة كل تفصيلة إلى أن يتمكن من إعادة تكوين صورة ذهنية مثالية لهذا الشيء وعيناه مغمضتان. والهدف من هذه التمارين هو أن يستغرق العقل تماما في الشيء المتأمل إلى أن يذوب وعي الفاعل والمفعول في مجال وعي موحد.
إن التأمل ليس من السهل إتقانه بكل تأكيد؛ نظرا لأن العقل يثير مشتتات باستمرار. وتشبه المصادر البوذية العقل بالقرد الذي يتأرجح بين الأشجار، ممسكا بالغصن تلو الآخر. ويمكن للقارئ تجربة ذلك من خلال التركيز على إحدى الصور الموجودة في هذا الكتاب، وهي صورة الماندالا (انظر الفصل السابق)، وملاحظة أن العقل لا يستغرق سوى وقت ضئيل ليشعر بالاضطراب ويتحول إلى وجهة أخرى. إن التركيز الثابت والمتواصل يأتي فقط من خلال الممارسة المنتظمة ويستغرق الأمر عادة عدة أشهر قبل تحقيق النتائج. إن تعلم التأمل أشبه إلى حد ما بتعلم العزف على آلة موسيقية؛ فهو يتطلب الإصرار والالتزام والممارسة اليومية .
وفي النهاية تظهر النتائج نفسها في صورة قدرات التركيز القوية وزيادة الإحساس بالهدوء والسكون الداخلي الذي يمتد ليشمل الحياة اليومية. وتفقد المشتتات والمقلقات والشكوك والمخاوف سيطرتها على العقل، وتدريجيا «يستجمع» المتأمل شتات أمره على نحو أكبر، ويعيش على نحو كامل في المكان والزمان الحاليين. أما المتأملون الماهرون إلى حد كبير فقد يحققون في النهاية حالة جلية من الاستغراق المنتشي يطلق عليها «سامادي»، وهي حالة سكون داخلي تام وثابت. وعلى يد معلميه تمكن بوذا من تحقيق حالتين متقدمتين إلى حد كبير من هذا النوع، وفيما بعد أدمجت هاتان الحالتان ضمن الإطار الرسمي للتأمل البوذي وأصبحتا تمثلان المستوى السابع والثامن من غشية «جاهانا».
مستويات غشية جاهانا
أساس هذا الإطار هو «جاهانا» (بالسنسكريتية: «ديانا») وتعني مستويات الغشية. في المستوى الأول والأدنى من غشية «جاهانا»، يفكر العقل باستطراد، لكنه يكون حافلا بالانفصال والنشوة والبهجة. وفي المستوى الثاني من غشية «جاهانا»، يتنحى التفكير الاستطرادي ويحل محله الاستغراق («سامادي») ويزيد الإحساس بالوعي. وفي المستوى الثالث من غشية «جاهانا»، يحل الاتزان محل النشوة. وفي المستوى الرابع يفسح الاتزان الساحة لحالة توصف بأنها «تتجاوز الإحساس بالمتعة والألم». ويبدو أن هذه التجارب الصوفية تتجاوز التصنيفات اللغوية، وليس من السهل إيجاد الكلمات المناسبة لوصفها. ورغم ذلك، يمكن ملاحظة أن الأمور تسير على النحو التالي: حالات الغشية العليا يزداد فيها الغموض والروحانية، أما العناصر الأكبر الأكثر عاطفية مثل الإثارة والنشوة فيحل محلها استغراق أعمق وأكثر تقدما. وهذا يقود إلى حالة تسمى «أحادية التوجه» («إكاجاتا») وفيها ينصب تركيز العقل حصريا على موضوع التأمل على غرار طريقة شعاع الليزر الموضحة في السابق.
ويعتقد أنه في المستوى الرابع لغشية «جاهانا» يمكن أن يكتسب المتأمل قدرات روحية متعددة تساوي تقريبا ما يعرف في الغرب بالإدراك الحسي الفائق. وتشمل هذه القدرات القدرة على رؤية أحداث في أماكن بعيدة (الاستبصار)، وسماع أصوات بعيدة (الجلاء السمعي)، واسترجاع حيوات سابقة (الإدراك الاسترجاعي)، ومعرفة أفكار الآخرين (التخاطر). وبالإضافة إلى ذلك، يكتسب المتأمل مجموعة متنوعة من قدرات التحريك العقلي، مثل القدرة على الطيران في الهواء والسير على الماء وصنع نسخ من الأجسام. لا يوجد أي شيء متعلق بالبوذية بصفة خاصة في تلك القدرات، وهذه القدرات معترف بها على نطاق واسع في الفكر الهندي، ويمكن أن يكتسبها أي شخص يرغب في استثمار الوقت والجهد اللازمين في اكتسابها. وعلى الرغم من أنه يقال إن بوذا نفسه كان يمتلك هذه القدرات، فإنه في بعض الأحيان كان يسخر من الأشخاص الذين يقضون وقتا طويلا في اكتساب هذه القدرات، موضحا أنه بدلا من تكريس سنوات من عمر المرء في تعلم السير على الماء، فإنه من الأسهل الاستعانة بخدمات البحارين!
البوذية والعلوم العصبية
إن العلوم العصبية المتعلقة بالوعي أو العلوم العصبية التأملية تعد مجال بحث علمي جديدا مثيرا تمثل فيه البوذية مشاركا فعالا. ويوجد برنامج يدعي تقليل التوتر المعتمد على الانتباه، يقوم إلى حد كبير على أساس الممارسات البوذية، وقد ظهرت نتائج مشجعة في إطار التعامل مع الألم المزمن، واضطرابات القلق، والاكتئاب، والصدفية، وتعزيز السلامة العقلية العامة، وقد بدأ علماء الأعصاب إجراء أبحاث حول تأثير التأمل على تغيير أنماط نشاط الدماغ. تقوم الممارسات التأملية البوذية على مبدأ مرونة الذهن، وعلى أساس أن التضاريس العقلية الداخلية للشخص يمكن صياغتها وتشكيلها باستخدام أساليب معينة. ويبدو أن العلوم العصبية تقدم تأكيدا تجريبيا لهذه الظاهرة - المعروفة باسم اللدونة العصبية - من خلال تحديد التغيرات الوظيفية والجزيئية في الدماغ الناتجة عن المدخل التجريبي المحدد؛ فعلى سبيل المثال، اتضح أن الحصين لدى سائقي سيارات الأجرة في لندن أكبر حجما ربما بسبب الممارسة المستمرة لمهارات الملاحة، وأظهر المشتركون في برنامج تقليل التوتر المعتمد على الانتباه تغيرات في النشاط الدماغي أمام الفص الجبهي من النوع المرتبط بالحالات الذهنية الإيجابية. ورصدت الدراسات أيضا قوة الجهاز المناعي بالإضافة إلى تغيرات إيجابية أخرى في الجهاز العصبي الذاتي. وعلى الرغم من أن العلم ما زال في مراحله الأولى، فإن هذه النتائج يبدو أنها تؤيد المزاعم التي طالما رددها التقليد البوذي وغيره من التقاليد التأملية، المتمثلة في أن السعادة والسلامة النفسية إنما هي مهارات يمكن التدرب عليها. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الأساليب والاستراتيجيات الكثيرة التي طورت في هذه التقاليد على مدار القرون يمكن أن تقدم مجموعة أدوات مفيدة في تحقيق الاستفادة المثلى للإمكانات البشرية.
Bog aan la aqoon