Buasa Fi Cusur Islam
البؤساء في عصور الإسلام
Noocyada
وإن يدم أبدا هذا الفراق لنا
فما الذي بقضاء الله نصنعه؟
محمد بن غانم الأهوازي
كان من العلماء البارعين، وكان أبوه من أغنياء الأهواز وأكابرها، أرسله إلى مصر في طلب العلم، فهجر وطنه وحضر إلى الأزهر الشريف، وكان أبوه يمده بالمال الكثير. وبعد خمس سنوات نعي له والده؛ فتوجه إلى الأهواز ليحصر تركته؛ فوجده قد مات معدما ولم يترك له لا مالا ولا عقارا؛ فانصدع قلبه وأصابه مرض ألزمه الفراش ستة أشهر ، وما كاد يتعافى من مرضه حتى قوض رحاله يقصد بيت الله الحرام، ومن هناك يعود إلى مصر. وتصادف أن أحد معارف والده عزم على الحج في تلك السنة، فتوافقا على الرحيل معا، وكان هذا الرجل رث الثياب بشع المنظر، ولم يكن معه من المتاع غير جبة مرقعة، وبعض لوازم تافهة، وكان لمحمد بن غانم جبة جديدة من الصوف حسنة الشكل. فلما وصلا مكة مرض الرجل مرضا شديدا، فواساه محمد بن غانم وقام بتمريضه، غير أن الرجل لم تطل مدته؛ فوافاه أجله فقضى نحبه. ولما علم حاكم المدينة حضر ومعه شرذمة من الجند لحصر تركته والتحقق من موته، فقدم له محمد بن غانم متاع المتوفى، فقال له الحاكم وهو ينظر إلى جبته: ولمن هذه الجبة؟ فقال له محمد: إنها جبتي. فكذبه الحاكم وانتهره وأخذ منه الجبة بدعوى أنها من متاع المتوفى، فأقسم له بكل الأقسام إنها جبته ومن ماله، فلم يصدقه وأخذها منه غصبا، وأعطاه جبة الرجل القديمة. وبعد ذهاب الحاكم جلس محمد في القاعة وهو منقبض الصدر حزين النفس على جبته التي أخذت قهرا عنه، وقد كان عازما على بيعها بخمسة دنانير ينفقها على قوته في غربته فضاعت منه. وأخيرا علل نفسه وقال: لا أسف على ما فات. ثم أخذ الجبة ليبيعها ولو بنصف درهم، فلما رفعها بيده وجدها ثقيلة، ففك الرقع المرقوعة بها؛ فوجد بداخلها مادة صلبة، ففكها وأفرغها، فإذا بها محشوة بالدنانير الذهب؛ فانبسطت أسارير وجهه، وأخذ يفك الرقعات ويخرج منها الدنانير، حتى بلغ ما جمعه منها ألف دينار، ثم فتش فيها فوجد في جيبها صرة مملوءة بالمال، ففرح فرحا شديدا. ولم يمكث بالمدينة غير تلك الليلة، وفي الصباح تأهب إلى الرحيل، وسار يقطع الوديان على ناقة اشتراها، ولما أمسى عليه المساء قصد بعض القرى وترك ناقته عند أهل القرية، ودخل المسجد يصلي العشاء وينام تلك الليلة. وفي نحو منتصف الليل قام يزيل ضرورة، وترك النقود بصرتها عند متاعه، وعاد فوجد المتاع مبعثرا، فافتقد الصرة فلم يجدها؛ فضاع صوابه واعتراه ذهول شديد. وبعد أيام حصل عنده نوع من الجنون فهام على وجهه ممزق الثياب عاري الجسم، ثم وجد ميتا وفي جيب قميصه رقعة مكتوب فيها هذه الكلمات:
متى انتهى العمل ولاقيت حتفي، وفرغت من مأساة الحياة في هذا العالم المحزن، فهناك تسبح روحي في فضاء الأبدية. وإذ ذاك تتبدل وحشة أيامي بالأنس، وتمر حقائق الحق بأنوارها الخلابة، حيث تنطمس رسوم هذه الأيام، وتندثر أحلامها المؤلمة؛ فأنسى ما أثارته تنهدات الأسى في أعماق صدري، ودموع اليأس والأسف من أجفاني.
إن روحي ستكون في العالم الآخر، وراء حجب الغيب تحوطها الأسرار في عالم من العجائب الغريبة، التي ما كنا نعرفها في حقيقة الوجود، ولا ندرك معناها في أوهامنا المضطربة.
لقد تعذبت على الأرض، وكادت تنفجر من نفسي مرارة الكتمان، فعسى أجد الراحة في دار الخلود.
وعمل قليل سأصبح جثة هامدة، وأصير في غيبوبة روحية بانقطاع ذلك السيال المغناطيسي الذي يربط الروح بالجسم، ثم تغمرني الأنوار فأسبح في عوالم الأزل، لا أسمع ولا أرى.
وإن بعد الموت لحالات يجتازها الإنسان وهو غائب بكل مشاعر النفس، لا يعرف أين هو، حتى يناديه الجبار يوم الحساب.
وكانت وفاته سنة «715 هجرية».
Bog aan la aqoon