Buasa Fi Cusur Islam
البؤساء في عصور الإسلام
Noocyada
ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال
فلما وقف سليمان على كتابه قطع عنه الراتب فاحتاج إلى ما ينفق، ولما اشتد عليه الحال ارتحل إلى البصرة وأقام في كوخ صغير من أكواخها لا يقدر على نفقة القوت الضروري، وأصحابه يكتسبون بعلمه الأموال، وكان دائما يتمثل بقوله:
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله
وليس لهم حتى النشور نشور
وأرواحهم في وحشة من جسومهم
وأجسادهم قبل القبور قبور
وكان إذا قدم على سيبويه يقول له: «أهلا بزائر لا يمل.»
وتوفي إلى رحمة الله فقيرا معدما سنة «170 هجرية» بعد أن ترك في عالم الأدب والعلم ما لا يندثر ويجعله في درجة عالية كأنه لم يمت، وسيبقى اسمه بين الناس ما بقيت مؤلفاته إلى يوم القيامة. ا.ه.
الترمذي «الترمذي» هو الإمام العالم العامل محمد بن أحمد بن نصر أبو جعفر الترمذي الشافعي، كان رحمه الله مطبوعا على الأدب ومكارم الأخلاق، متحليا بالفضائل، سار ذكره مسير الشمس والقمر حتى ملأ الآفاق بعلمه، ولم يكن للشافعية أرأس منه في وقته، ولا أروع ولا أحشم.
وكان مع هذا العلم الفائق على جانب عظيم من الفقر المدقع، وكثيرا ما كان يقول: «إن سعادة الحياة وهم باطل، ونعيمها خيال مائل، ومتاعها عرض زائل، سرورها أحزان، ولذتها آلام، ولو كنت أعجب بشيء فما أعجب إلا بمن تعلقوا بحب الدنيا، وهاموا بسعادتها الموهومة، وأطربهم سماع لفظة «السعادة»، تلك الكلمة الحلوة، حتى تخيلوها نعمة ما فتحت عين ابن آدم على أتم منها حسنا، ولا أجمل منها صورة، وباتوا يتهالكون في السعي خلفها ليدركوها، ولكنهم عجزوا عن لحاقها ولم يجدوها، وأخيرا بحثوا عنها فلم يقفوا لها على أثر، وأين يجدون هذه السعادة؟ أفي قصور الملوك ومقاصف الأمراء، حيث يضرب الهناء قبابه، ويوطد أطنابه، وتتسرب الحظوظ في جميع أماكنها، أم في بيوت الفقراء الحقيرة، حيث يحل الفقر وينيخ ركابه؟» «وله في وصف الحياة»: ما أكثر خداع هذه الحياة! إنها كالسراب يحسبه الظمآن ماء، كلما جد في طلبه ازداد بعدا، وكلما يئس وتوانى عن طلبها؛ أبرقت له وازداد لمعانها، عساه أن يوفق للحاق بها. «وكان دائما يقول وهو في أشد حالات محنته»: ما أضيقك أيتها الحياة لولا فسحة الأمل الكامن في صدورنا!
Bog aan la aqoon