285

Bismarck

بسمارك: حياة مكافح

Noocyada

وفي أوقات الملل تلك يتوجه إلى ميدان السياسة في بعض الأحيان، وهنالك يتجلى العجب، وفي سنة 1877، وفي إحدى أمسياته البرلمانية، قال على مسمع عشرين شخصا أو أكثر: «إذا ما ذهب رجل إلى الصيد باكرا فصار يطلق النار على أية طريدة يبصرها، وإذا ما قطع بضعة فراسخ فأصمى طيرا بريا، وإذا ما قضى نهاره في القنص فملأ كيسه بالطرائد، وإذا ما دنا من منزله فبدا جائعا ظامئا تعبا، فلم يفكر في غير الراحة، فلا يمشي خطوة واحدة صيدا لزوجين من الحجل، بيد أنه إذا ما جاء هذا المنهوك رجل وقال له إن في الغابة هلوفا

2

تحرك دم الصياد في عروقه فنسي نصبه وجاب الغاب طلبا للقنيص، وإذا سألتم عن أمري قلت لكم إنني ما فتئت أصطاد منذ الفجر، ولم أعد إلا متأخرا ولم أعد إلا تعبا تاركا للآخرين اصطياد الأرانب والحجلان، ولكنكم إذا ما أنبأتموني بأنكم رأيتم خنزيرا بريا كان لي شأن آخر.»

وبسمارك بعد مثل ذلك التعب يصير مرحا إذا ما ساوره سابق مجونه، وهنالك يبدو ميفيستوفل الحقيقي مسرا بقوله الآتي إلى أقرب صديق له في الغاب: «كنت أظنني أريبا عندما كنت شابا، ولكنني أعتقد الآن أنه لا سلطان لأحد على الحوادث، وأنه لا أحد عظيم أو قوي، ومما يضحكني أن أمدح بأنني حكيم بصير مؤثر في العالم تأثيرا كبيرا، وفيما يتساءل الدخلاء عن المطر أو الصحو في الغد يلزم من كان في مثل وضعي بأن يقرر وجود مطر أو صحو في الغد؛ ليسير وفق قراره، فإذا ما أصاب المحز قال جميع الناس: يا له من صاحب بصر حديد! يا له من رجل موهوب! وإذا ما أخطأ ضربه جميع العجائز بعصي المكانس، ولو لم أتعلم من ذلك غير التواضع لكفى!»

هذه الكلمة تشابه ما كان قد قاله لعدوه أرنيم مغاضبا، هذه الكلمة قالها لصديقه موتلي، هذه الكلمة تنطوي على عدمية عميقة، هذه الكلمة تشتمل على اعتراف رجل ذي شعور عال بنفسه، وقائل هذه الكلمة التي نطق مسارا بها ينكر كل ادعاء بوجود مزية شخصية له، وقائل هذه الكلمة يقر - وهو في ذروة المناصب - بأنه جبري كما كان في مقتبل شبابه، وقائل هذه الكلمة يصل الآن وبعد سلوك سبل ملتوية وطرق ذات مكاره إلى حظيرة الاتضاع التي يستتر تحتها هزوء من يزدري الرجال.

وفي تلك الأحايين تشرق أسرة وجهه، وتعود إلى المغامر روحه فيغتبط بذلك، ويشتركون ذات مرة في وليمة يقيمها مكتري فارزين، ويسمع من الباب نوري يغني، ويرسل إليه قدح من رحيق الشنبانية، ويدخل مع قيثارته وينحني أمام بسمارك كما ينحني بسمارك أمام مليكه، وينشد أغنية عن الشباب والحب ويشرب نخب الأمير وينصرف مغردا، وتسأل حنة عن الوجه الذي يساعد به على قضاء حياة منتظمة، فيقول بسمارك: «لا يؤدي هذا إلى خدمة رجل مثله، فحبه للحرية أعظم من رغبته في العيش المنظم، أعظم من رغبتنا نحن الناس فيما نسميه سعادة.» ويسكت بسمارك وينعم النظر في وجهة ذات النوري كما لو كان آية على سابق فتائه، ثم يقول: «حقا إن هذه حال محسودة! حقا إن هذه حياة محسودة!»

ولتجدنه أحرص الناس على الحياة مع ذلك، و«لتجدنه ككل شخص عادي في ذلك»، ويكون على واحدة من تلك النصب فيحدث أخاه عن شعوره حول مسألة الحياة بقوله: «تزيد سنواتنا الأخيرة سرعة كما تزيد سرعة الحجر عند سقوطه، ولا أقول إن هذه الحركة المتزايدة أمر يسرني، وإني - وإن كنت أذهب إلى أن كل يوم راهن هو آخر أيامي - أراني عاجزا عن عد هذا الذهاب أمرا سارا، والحياة شيء محبب إلي، لا لأن ضروب الفوز الخارجي هي التي ترضيني وتسحرني؛ بل لأنه يشق علي كثيرا أن أفصل عن زوجي وأولادي، وكان الحظ حليفي في منصبي الرسمي، وأقل من ذلك أمري في شئوني الخاصة، غير أن أكثر ما بارك لي به الرب فأضرع إليه أن يديمه هو السعادة المنزلية والرفاهة البيتية وصحة أولادي البدنية وعافيتهم الأدبية، وليس عندي من الأسباب ما أشكو منه إذا سلمت هذه الأشياء كلها.»

وما يسعى إليه بسمارك من جعل حياة أولاده رغيدة فينم على أثرته، ويصف صديق لأسرته ابنته «بالغرابة أكثر مما بالجاذبية»، فتصبح مع السنين غليظة ظاهرا وغبية باطنا، وتراها شاردة الفكر ساخرة المزاج، وتراها غافلة رفلاء،

3

وتراها من عدم الترتيب ما وجد معه أولنبرغ في السفارة، التي غادرتها هي وزوجها رانتز ومنذ قصير وقت، وحول سريرهما اثنا عشر كرسيا خيزرانيا وثلاثة أقراص من المعجونات أنصافها مأكولات، وما وجد معه في جميع الرقع هنالك نثار عصافير وخنازير وعلب ورق لوضع القبع، ويقول بسمارك لصديقته سبيتزنبرغ: «أراني في الغالب على خلاف مع ماري، فإذا عدوتنا وعدوت زوجها وأولادها وجدتها غير مكترثة لأحد، فهي مكسال، وفي كسلها سر عدم اكتراثها.» ويذكر له أن ابنته لا تشاطره مشاعره فيجيب عن هذا بقوله: «وقل مثل هذا عن زوجي؛ ولهذا ناحيته الحسنة، وأجدني في منزلي عائشا في جو آخر.»

Bog aan la aqoon