وفيندهورست وحده هو الذي كان ذا أثر شخصي في بسمارك؛ ولذا لم يشف هذا البطل المقهور من غلبه، قال بسمارك: «ليس الحقد أقل دفعا من الحب في الحياة، فكل من الشخصين - زوجي وفيندهورست - ضروري لي.»
الفصل الثاني
تتراكم الغيوم المتوعدة في الأجواء نتيجة للانتصارات الثلاثة، ويعرف بسمارك الأخطار القادمة في الحين بعد الحين فيعتقد قدرته على اتقائها، وكان ملك بروسية قد قال منذ عشرين عاما إن بسمارك يصلح أن يعين رئيسا للوزارة «في وقت يكون الحكم فيه للحراب.» ومنذ عشر سنين يسلم الملك الحاضر مقاليد ذلك المنصب إليه مع الارتياب، راغبا في رجل قادر على تدبير أمور الوطن.
وبسمارك من ذلك الحين سار جبارا في الخارج فنال ثلاثة انتصارات، وهل نعجب بعد ذلك من عودة هذا الرجل إلى نقطة الابتداء فيرى في نفسه من القوة ما يمثل به دور الطاغية؟ وهل نعجب من أن الحبوط سيكون نصيب هذه المحاولة؟ وهو إذ كان فخورا بتحرره من كل مذهب لم يوفق لمعرفة ما في عدم استناده إلى أي مبدأ فلسفي من خطر، وهو إذ كان مزدريا للأحزاب الكثيرة المتصدية له لم يوفق لملاحظة عدم وجود حزب يدعمه، وهذا الباني العظيم إذ رجع غضا من ميادين القتال عاطلا من مبادئ اجتماعية أساسية، لم يبد أهلا لتنظيم داخل بيته.
وفي اعتداد بسمارك بنفسه أعمق سبب لحبوطه، وبسمارك إذا ما فكر حول الدول وجد نفسه تجاه خصوم في مثل وضعه، فكان أمره كلاعب الشطرنج الذي يرى أمامه من القوة ما يجب عليه أن يداوره ويقضي عليه، وبسمارك إذا ما كان عليه أن يعالج شئون الوطن بدا واثقا قبل بدء اللعب بأن الغلب له على خصومه معرفة ونشاطا وكيدا، وفي الخارج دول كبيرة عليه أن يقهرها، وفي الداخل أناس صغار لا يجرءون على الجواب، وفي الخارج يقف بسمارك بين أمثال يحق لهم أن يكونوا خصوما لألمانية، وفي الداخل لا يدرك أحد ما هو ألماني خيرا من بسمارك، فلا ينبغي لأحد أن يعارض خطط هذا السيد التي تؤدي إلى عظمة البلاد ولا أن يزعم وجود ما هو أصلح منها.
وبسمارك يكون متفننا حول وضع ألمانية في أوروبة، وبسمارك يكون طاغية حول المسائل الاجتماعية الأوروبية إذا ما لاحت في ألمانية، وبسمارك إذ كان متعودا توجيه ذهنه إلى عظائم الأمور لا إلى الأفكار، وبسمارك إذ كان متعودا تقدير الأمور الحربية لا المدنية؛ تجده منوعا مقيما سلطانه المطلق في الداخل على صخرة من برونز.
وأول عراك يقع بينه وبين الكنيسة.
فمما وقع ذات يوم في فرساي أن واجه المستشار أسقف مايانس، وكان هذا الأسقف من ذرية أشراف الكاثوليك، وكان لابسا حلة الكهنوت فيقابل الشريف اللوثري اللابس بزة عسكرية، ويريد الأسقف إدخال بضع مواد إلى دستور الريخ حامية للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، فلما عجز عن نيل ما يود حول الحديث إلى العقيدة:
الأسقف: «تكون الضمانات للكاثوليك بعد الموت يا صاحب الفخامة أعظم مما لسواهم.» صمت وتبسم. «أو أنتم تفترضون أن الكاثوليكي لا يمكنه إنقاذ روحه.»
بسمارك البروتستاني: «لا ريب في نجاة الكاثوليكي العلماني،
Bog aan la aqoon