والآن بعد أربعة أعوام عندما يكافئه اللندتاغ على أعمال كان يعدها مساوئ يغدو غنيا، فيسرع في التخلص من كنيبهوف التي قضى فيها ما بين السنة الثانية والسنة الثامنة والعشرين من عمره! أفلم يحزن حزنا شديدا عندما أجر ذلك الملك للمرة الأولى منذ طويل زمن؟ والآن - أيضا - عندما يقصده من فارزين «لا يدعونني وحدي أبدا، ولدي ما أقوله للشجر هنالك أكثر ما للبشر مع ذلك»، وتظل تلك الأماكن التي كانت شاهدة على صباه جنة عنده في مشيبه، على أنه لم ينشب أن كتب من فارزين يقول لأخيه إنه يريد بيع كنيبهوف في الحال، «مفضلا بيعها من فيليب أو منك، ولكن على ألا يكون الثمن دون ما في السوق كثيرا»، وقد عاد لا يقول شيئا عن خزعبلاته ولا عن ارتباطه الوثيق في الأرض وفي البيت، كما كان يشعر به في أمر شونهاوزن وكنيبهوف فيما مضى.
أجل، تروقه غابات فارزين، ولكن من غير أن تنفذ فؤاده، وما كان منزل فارزين ليقاس بمنزل شونهاوزن الكبير، «فلذلك المنزل منظر المشفى؛ أي له جناحان، وهو منزل عادي ذو نوافذ كثيرة، وليس له مظهر القصر ولا مظهر المغنى».
7
وهذا هو وصف كيزرلنغ له عند إقامته به، وبما أن الغابات لا تأتي بدخل وجب إنشاء مناشر
8
بخارية ومعمل ورق، «فيتطلب هذا مائة ألف تالير، ولكن كل شوحة
9
تحول في يوم واحد إلى ما لا يحصى من الورق»، ويا لتحول هذا الولوع بالطبيعة إلى رجل عمل! هو اقتصادي سياسي! هو رب أسرة!
وبسمارك، إذ كان لا يصبر على الراحة، وكان لا بد له من الحركة؛ بدأ ينشر الحياة في الغابات وفي البيت بفارزين، «فأرسلي من شونهاوزن الأقداح الحمر والكراسي المنقوشة وما يمكن إقفاله من مكتب أو مكتبين وما بقي من سرر، ويمكن أن يؤتى من برلين بموائد، ويمكنك أن تضعي في غرفة مطالعتي المكتب الأمريكي الموجود في غرفة الاستقبال بدلا من ذلك، ولماذا يجب علينا أن نجهز غرف صاحب الجلالة؟ والآن أذهب لأرى الغاب والأيل وضوء الشمس، ولا أستطيع الكتابة كثيرا، والحبر لا يحبني، تعالي مسرعة إلى هنا، والأولاد يتبعونك وحدهم، ولي أمل في أن يكون بكوسلين أسرة، ولا تأتي بأية خادمة معك، خلا وصيفتك، وقد تكونين في غنى عن هذه الوصيفة أيضا؛ وذلك لوجود فتاة غسالة عملت ثلاث سنين في بلومنتهال، إذن لا ضرورة لإحضار الطاهي ولا الخادمة ما لم تودي غير ذلك، وابعثي بنسج كثيفة سمر خضر غير لامعة؛ لتكون ستائر مزدوجة تغطى بها الأبواب الزجاجية، فلا يرى ما وراءها، ولا أظنني ذاهبا إلى برلين قبل وصولك، وبلغي إلى الناس أنني منهوك، ولكن مع تحسن، ولكن مع رغبة عن سفرة أخسر فيها ما اكتسبت، تعالي مسرعة، المخلص لك كثيرا ...»
ومن ثم ترى بسمارك مسرورا؛ فبسمارك قد بعد من الخدمة، وصار ينتظر زوجه، وعاد لا يدعو أحدا ولا يستقبل ضيفا ولا يتلقى برقية ولا يرسل رسالة، وصار لا يتطلع إلى غير حرس الصيد وخفراء الغاب وجياد الخيل والحساب المناسب، وفي أحوال كهذه يجد بسمارك الحياة أمرا طيبا لأسبوع واحد، ثم يساوره شوقه إلى الأعمال مرة أخرى أو يواثبه ميله إلى السير والقيادة مجددا، وبسمارك حتى في عزلته الريفية لم ينج من رغبة في السلطان، ولا تخلو من رمز كلماته عن ملك جار له، وهي: «يستحوذ علي في كل مساء عطش شديد إلى ضم تلك الأرض إلى أملاكي، ويمكنني في صباح الغد أن أتأملها مليا.» فهوى بسمارك واعتداله؛ أي جميع هزج سياسته، تجدهما في تلك الجملة.
Bog aan la aqoon