141

Bismarck

بسمارك: حياة مكافح

Noocyada

ولا تجد بين آل هوهنزلرن من يؤيده، ويبدو فردريك خصما معاكسا لحذر الملك، وتؤثر في فردريك هذا زوجه الأرقى منه ثقافة، ويدخل فردريك مبادئ الإنكليز العادلة من غير أن يكون لديه من القوة والبسالة ما يحمل على انتحالها في وطنه، ويجرؤ فردريك على المغامرة مرة واحدة، ويشتد الصدام، فلما أصدر بسمارك مراسيم ضد الصحافة واستقبل ولي العهد وزوجه في دانزيغ تشجع وصرح في دائرة البلدية بقوله: «يؤسفني أن يكون حضوري هنا في وقت يوجد فيه خلاف بين الحكومة والشعب فيدهشني خبره، ولا أعرف شيئا عن المراسيم التي أوجبت ذلك، فقد كنت غائبا، ولم أشترك في تلك التدابير.»

وتنشر تلك الخطبة في جميع صحف بروسية ويقرؤها الملك، فيشق ذلك عليه، لا لما تؤدي إليه من نيل ابنه حظوة لدى الشعب؛ بل لما أبصره من خطر يصاب به مبدأ الطاعة الذي هو قوام جيشه، وهو الذي تعود الجندية وغدا مؤمنا بالنظام، أجل كان ولهلم في وضع مماثل منذ عشر سنين، غير أنه لم يدع غضبه على فردريك ولهلم يعدو جدر غرفته، غير أنه لم ينبس بكلمة في إبان حرب القرم. وولهلم اليوم يسخط على فردريك لجهره بالاحتجاج على ذلك الوجه، وماذا يصنع بسمارك؟ كان يمكن بسمارك أن يحمل الملك في تلك الحال على إهانة ولده، كان يمكنه أن يحفزه إلى استدعائه أو وقفه أو اعتقاله، وهذا ما فكر فيه الملك فعلا، ولكن بسمارك نصحه بالصفح عنه، وهل قصد بسمارك بذلك أن يستميل ولي العهد؟ كلا! وإنما أراد أن يحرمه ما قد تسفر عنه مجازاته من تزيينه بإكليل مجد، ويقول بسمارك للملك الشديد الولوع بالتوراة: «عامل الابن أبشالوم برفق، وإياك والعمل عن غضب، وسر مع ما تقتضيه مصالح الدولة، وإذا ما كان هنالك خصام بين فريتز الشاب وأبيه كان عطف الشعب كله إلى الابن.» فبمثل هذه الكلمات المختارة بعناية يسوي بسمارك الأمر.

بيد أن ولي العهد حر في قول ما يود خفية، وكما أن ولي العهد يمقت بسمارك في الوقت الحاضر أكثر مما في الماضي تراه يلعن سياسة بسمارك اللاشعبية، ويرفض ولي العهد الاستمرار على الاشتراك في مجلس الوزراء، «لأنني خصم بسمارك الجازم»، ويمضي بعض الحين فيلتقي الرجلان فيسأل بسمارك فردريك عن سبب ابتعاده عن حكومة ستكون قبضته بعد سنوات قليلة، والأصلح أن يبدي ولي العهد من خلافاته ما يسهل معه الانتقال.

آلانتقال؟ تكهرب هذه الكلمة ولي العهد، «ويرفضها بشدة معتقدا، كما لاح لي، أنني راغب في تمهيد السبيل لانتقالي إلى خدمته، وتمضي سنوات فلا أستطيع أن أنسى ما كان من تصعير خده عند مخاطبته، ولا أزال أتمثل، بعد ثلاثين سنة، شموخ أنفه واحمرار وجهه وشفونه

3

إلي من فوق كتفه اليسرى، وأكظم غيظي، وأفكر في كارلوص وألبا، وأجيب عن ذلك بأنني حينما نطقت بكلمة الانتقال قصدت مسألة البيت المالك، راجيا أن يعتقد أنني لا أحاول نصبي وزيرا له ذات يوم، ولن أكون ذلك، وقد سكن عنه الغضب بسرعة كما بدأ، فختم الحديث بمودة.»

ونتمثل الرجلين في قاعة فخمة بين بابين، ونبصرهما واقفين لابسين بزتين رسميتين ومتقلدين سيفين، ويا لهول الساعة! ويا لهول ما أهين به زهوه! ولم يحدث قبل ذلك أن نظر إليه رجل بمؤخر عينه ومن فوق كتفه تكبرا، ولم يقع مع ذلك سوى احتماله تلك النظرة البغيضة بدلا من امتشاق

4

حسامه غسلا لذلك العار، ولكنه كان يعرف فكر خصمه، فينطق بصوت خافت قوله: «لن أكون ذلك!»

الفصل الثالث

Bog aan la aqoon