ولم يكن له مطمع في رضا قومه من الروم رضاء يحملهم على أن يصعدوا به إلى العرش، فصار له مطمع في رضا العرب؛ فأوى إلى سليمان بن عبد الملك وأخيه مسلمة يؤامرهما على تحطيم قوات الدفاع الرومية لتخلص البلاد للعرب، وتخلص له رياسة الروم، فاستعانه سليمان ومسلمة على شرطه، ووثق به مسلمة فأسلم إليه بعض الأمر!
وبلغ الجهد بأهل القسطنطينية ما بلغ، فاستعانوا البلغار والروس وأهل رومية، ولكن هؤلاء كانوا في شغل بأنفسهم عن معونة غيرهم؛ وكان مسلمة قد خلف على جيش القسطنطينية بعض قادته، ودار دورة على رأس بعض فرق الجيش إلى ملك البلغار فحطم مقاومته وبدد شمله، ثم آب ...
وأخذ الوهن يدب في قوى الروم؛ فلم يجدوا بدا من النزول على شرط العرب، فبعثوا إلى مسلمة في وقف القتال، وفك الحصار على أن يؤدوا إليه الجزية؛ ولكن مسلمة أبى، فبعثوا إليه ثانية يطلبون أن يوفد إليهم إليون الرومي ليفاوضوه في شروط التسليم؛ فأجابهم إلى ما طلبوا ... •••
ما أجدر هذا الرومي أن يهديه الله فيكون أخا معينا ووزيرا ناصحا!
كذلك قال مسلمة لنفسه، وقد أوفد إليون إلى قومه ليفاوضهم في شروط التسليم، فبمعونة هذا الرومي يقرع مسلمة اليوم أبواب القسطنطينية، ويوشك أن يدخلها غدا، فيطأ بلاط قيصر، فيجلس على عرش قسطنطين، فيجهر بالأذان على أسوارها المنيعة، فيؤم جنده في الصلاة بأيا صوفيا، فينشر كلمة الله من ثمة في الأرض الكبيرة، فيمضي قدما حتى يطأ رومية، ويجوس في بلاد إفرنسة، وينفذ إلى الأندلس من المشرق، ويقف على شاطيء الأقيانوس الأخضر مثل موقف عقبة بن نافع منذ سنين ...
إن في الروم لذوي أعراق طيبة، وإن كان آباؤهم من ذوي المهنة.
ردد مسلمة هذه العبارة كذلك فيما بينه وبين نفسه، وكأنما ذكر في هذه اللحظة أمه ورد ونسبها في بلاد الروم، فحن عرق إلى عرق!
واسترسل إليون في محادثاته مع القوم، وطالت غيبته، واسترسل مسلمة في أوهامه، وكان الجند في مضاربهم، أو في بيوتهم يديرون بينهم ألوانا من الحديث يتصل أكثرها من قريب، أو من بعيد بهذه السفارة التي دعا إليها الروم، وخف لها إليون، وهش لها مسلمة.
قال ابن جبير العبسي مغتبطا: أين نحن اليوم، وأين نكون غدا؟
قال ابن هبيرة: وأين تكون إلا وراء مسلمة؟
Bog aan la aqoon