تعد رسائل فرنكلين بالمئات، نشرت في مجموعات متعددة حسب موضوعاتها أو حسب الجهات التي أرسلت إليها، ومنها العام الذي يرتبط بالسياسة والعلم والمصالح القومية، ومنها الخاص الذي يراسل به أهله وذويه وخاصة صحبه، ويقصر في الأعم الأغلب على التحية وإسداء الرأي في المسائل البيتية.
وكل هذه الرسائل مما يصح أن يوصف بالكتابة الفرنكلينية، ونريد بها الكتابة التي تتسم بطابع الرجل، وتنم على ملامح نفسه وعادات تفكيره، وليس المراد بهذا أننا نقرأ الرسالة بغير توقيعه فنعلم أنها من قلمه، فإن هذه الخصيصة ربما صدقت على الكثير من كتاباته، ولكنها لا تصدق عليها جميعها، ولكن المراد بالكتابة الفرنكلينية أننا إذا بحثنا فيها لم نخطئ فيها دلالة على خلقه أو رأيه أو شواغل عمله، وعلى سبيل التمثيل نشير إلى رسالة وجيزة مكتوبة في مسألة مألوفة من المراسلات بين الإخوة والأقارب كتبها إلى أخته جين
Jane
أحب أخواته إليه؛ لأنها استشارته في إرسال ابنها بيني
Benny
إلى نيويورك، فقال لها في أسطر معدودات: «إذا كنتم على رغبتكم في إرسال بيني فأرسلوه على أول مركب إلى نيويورك واكتبوا معه سطرا موجها إلى مستر جيمس باركر الطباع، وأنا على ثقة من حسن معاملته هناك، وسأتلقى خبرا عنه في الأسبوع نفسه، وأوصوه أن يكون على الدوام بشوشا مرحا مستعدا لعمل كل ما يؤمر به، وكسب الرضا من كل من يعمل معه، فهذه خير وسيلة لاقتناء الأصدقاء، ومحبتي لك يا أختي العزيزة لحسن رعايتك لأبينا في مرضه.»
فهذه الرسالة «فرنكلين» في أكثر من سمة واحدة؛ لأنه لا ينسى فيها الخصلة التي عرفت عنه في أدوار حياته من صباه إلى أواخر أيامه، وهي الحرص على كسب الأصدقاء واتقاء المغاضبة والعداء، وهي تطابق حكمته التي كررها كثيرا، وفحواها أن يحسن الإنسان إلى الصديق ليستبقيه، ويحسن إلى العدو ليستدنيه أو يعيده إلى مودته، وهذا مع البر بالأهل والعناية بأداء الواجب وإنجاز ما يفرضه على كل من يناط به عمل يؤديه.
ومثل هذه السمة لا نخطئها في رسالة من رسائله العامة أو الخاصة، فهي تمثله للقارئ حينا بما فيها من روح الفكاهة والسخرية الطيبة ، أو بما فيها من طبيعة المودة والمسالمة واستنفاد كل حيلة في سبيل التفاهم والإقناع، أو بما فيها من الدقة والتنظيم واجتناب الإسراف والفضول، وقد كان يكتب رسائله العامة إلى الصحف على أسلوبه في أول كتاباته منذ نشأته الصحفية الباكرة، فبعضها في قالب الأماثيل على ألسنة الآخرين، وبعضها في قالب العظات الفكاهية، وبعضها في قالب التلخيصات المرتبة كما ترتب الدروس الملخصة، وبعضها في قالب الحوار بين اثنين أو أكثر من اثنين، ويجري حواره على نسق الحوار المعهود في كتب أفلاطون، آراء متتابعة تملي ما بعدها ويأخذ بعضها برقاب بعض، ثم تستدعي ردودها وأجوبتها كأنها تأتي من قبيل الحقائق المفروغ منها، وهي كما لاحظ جامع رسائله إلى الصحافة ڤيرنر كرين
Verner W. Crane «مقنعة ولكنها ليست بالدرامية في وضعها»
1
Bog aan la aqoon