ولا كذب في وصف النقاد والمؤرخين، وإنما الكذب - أو الخطأ - في تقدير هذه الطينة العادية التي خلق منها هذا الرجل العظيم.
إن اللبنة طينة عادية، والقصر الذي يبنى باللبن طينة عادية، ولكن القصر واللبنة شيئان مختلفان.
إن الرجل الذي يكون «عاديا» في ملكة واحدة يقال بحق: إنه من طينة عادية.
ولكن الرجل الذي يكون عاديا في عشرين ملكة، وفي كل ما تصدى له من الأعمال والأفكار لا يحسب إنسانا عاديا نراه بيننا كل يوم.
إن الوسط في القوة البدنية وسط.
ولكن الوسط في القوة البدنية، وفي القوة الفكرية، وفي القوة الخلقية، وفي قوة التفكير حين تتجه إلى العلم، وحين تتجه إلى الأدب، وحين تتجه إلى السياسة، وحين تتجه إلى الحياة العامة، لا يقال عنه: إنه وسط، ولا إنه في مرتبة من العظمة الإنسانية دون مرتبة العظماء المرتفعين المحلقين في جو واحد من أجواء القدرة والكفاية.
وهذه عظمة أحب إلى الناس، وينبغي أن تكون أحب إليهم وأنفع لهم وأولى بالكتابة عنها لطلاب القدوة والحوافز النفسية ، فإن الاقتداء بالعظمة المحلقة في السماوات ييئس من يلمس جنبيه فلا يجد فيهما الجناحين القادرين على التحليق، ولكنه إذا رأى أمامه عظيما يمشي على القدمين في كل طريق يعبره أمثاله لم ييأس من الاقتداء والمشابهة، وإن لم يكن مثله وسطا في عشرات من الكفايات والملكات.
طينة عادية نعم، وهذه هي العظمة التي يفهمها العاديون في جميع نواحيها، وتنعت حولها الصلة المحكمة بين العظماء من بني الإنسان وغير العظماء. «والمستر أمريكان» أحدث ما وصف به فرنكلين الإنسان في كتابات المعاصرين.
والذين وصفوه بهذه الصفة يعنون أنه أول نموذج للأمريكي من الأمريكيين، وأنه لو عاد إلى الحياة اليوم مع رهط من زملائه آباء الاستقلال لم يستغربه أحد، ولم يستغرب هو أحدا ممن حوله، وقد تحيط الغرابة بين الأمريكيين المعاصرين بواشنطون وآدمز وهاملتون وجفرسون وسائر القادة المدنيين والعسكريين.
وهذه الصورة صحيحة في مجموعها في انتظار التكملة اللاحقة بها، كجميع تلك الصور التي أريد بها حصر الرجل في قشرة البندقة.
Bog aan la aqoon