Silence Dogood (أي صمتا واعمل خيرا أو واصنع معروفا) وجعله اسما لامرأة وصفها في بعض مقالاته، وعني في جميع تلك المقالات بالتشويق واجتذاب القراء بالفكاهة والنقد الاجتماعي الذي يعجب القراء من الرجال والنساء معا؛ لأنه يلمس شكاياتهم ويحدثهم عن مشكلاتهم وأوجاعهم ولا يحيف على طائفة لمرضاة أخرى، بل يسوي بينهم جميعا في النقد وملاحظة العيوب. ومن دأب الناس دائما أن يعجبوا بهذا التعميم في الملامة والسخرية؛ لأنه يصيبهم كما يصيب الآخرين، ويقيم الكاتب أمامهم مقام الحكم العدل، أو الحكم الحكيم الذي يعرف أحوالهم، ولا يجور على أحد منهم أو يحابيه بإخفاء ما يعرفه عن نفسه وعن صحبه من المآخذ والعيوب.
وأصلح ما يكون لهذا النقد الشامل كاتب مقنع واسم مستعار؛ لأن هذا الاسم المستعار يجرده من «اللون الشخصي» الذي يدعو إلى الاتهام بالحيف والمحاباة، أو يدعو إلى المنافسة والحسد، وتقدير الكاتب بمظاهره الاجتماعية دون مزاياه الكتابية، وقد خطر لفرنكلين حين أخفى اسمه أن مقالاته عرضة للإهمال والاستخفاف قبل النظر فيها، وربما بخسها أخوه، وزملاؤه الذين يراجعون معه موضوعات الصحيفة كل حق لها حتى حق النشر والاستحسان، وصح تقديره بعد انكشاف أمره ومعرفة اسمه. فإن أخاه قد توهم أنه اغتر بالسمعة والإعجاب، وتطلع إلى منزلة أكبر من منزلته في أعمال الصحيفة، فتغيرت معاملته وتعددت مشاجراته واضطر الأخ الصغير بعد حين إلى مفارقة الأخ الكبير ومفارقة المدينة كلها ثم مفارقة الديار الأمريكية إلى العاصمة الإنجليزية.
ومن يقرأ البقية الباقية من مقالات «سيلنس دوجود» يشعر أن النواة كلها كامنة فيها، فقد برزت فيها ملامح الرجل التي يراها قارئه لأول وهلة في كتاباته بعد الستين وبعد السبعين والثمانين، وكل ما جد عليها فإنما هو من قبيل النمو الطبيعي للبنية المتكونة أو الصقل والتركيب للجوهر النفيس.
وقد تعلم الفرنسية بعد سن الكهولة وكتب بها أو ترجم إليها بعض كتاباته الإنجليزية، وأخلصت أستاذته فيها - مدام بويون - في امتحان أسلوبه الفرنسي فقالت: إنه «واضح إن لم يكن صافيا» وقال غيرها: ما يشبه هذا في كتاباته الفرنسية والإنجليزية على السواء، فهي واضحة سهلة محكمة، والنقاد متفقون على دقتها وجلائها وصحة تعبيرها عن معانيها، ولكنهم يختلفون فيما عدا ذلك من محاسن البلاغة ومقاصد الكتابة، ولا سيما القدرة على النفاذ إلى الأعماق أو التحليق في القمم، والآفاق.
وقد لخص آراء النقاد فيه كتاب مدرسي وجيز في تاريخ الأدب الأمريكي لثلاثة من أساتذة الأدب في الجامعات الأمريكية. يغربل هذه الآراء من مصادرها المتعددة، ويجتهد في أمانة النقل كما يجتهد في حسن الموازنة والترجيح.
فذكر من محاسن هذه الكتابة وضوحها وسلامتها وقوة تعبيرها وما يتخللها من الصور الخلابة والفكاهة السائغة والقدرة على جوامع الكلم مع سلامة الإدراك وإيراد الحقائق التعليمية في صياغة ترضي وتشوق.
وذكر من عيوبها أنها تفتقر إلى جزالة الخيال والرشاقة التي اتسم بها أسلوب أستاذه أديسون، والإفراط في النزعة العلمية المادية التي لا ترتفع إلى القيم العليا.
2
ونعتقد أن هذه الموازنة تلخيص عادل لما قيل في محاسنه وعيوبه الكتابية، وأن فرنكلين نفسه لم يكن يجهل هذه العيوب ولم يشغل باله بمحوها أو إنكارها، وألقى باله كله إلى محاسنهم المحققة فاحتفل بتحسينها وحافظ عليها.
وكل ما كتبه عن البلاغة الكتابية يعزز تلك الآراء عن «نزعته العملية المفرطة» وإخضاعه كل فكرة تجول في ذهنه لحدود التقرير والتطبيق.
Bog aan la aqoon