131

Binjamin Franklin

بنجامين فرنكلين

Noocyada

ولم أكد أصدق ما قرأت، واتهمت جهلي بالفرنسية، فاختلست فرصة من فرص السجن أعرضها فيها على زميلنا الأستاذ حسن النحاس، فقال لي: إنني فهمت منها الصواب.

إن موضع العجب في القصة أن فرنكلين لم يشتهر في مجالسه بشيء، كما اشتهر بلباقة الحديث والسمر وأفانين الكلام المستحب بين الجد والفكاهة، فما الذي ألجأه إلى ذلك الصمت مع العالم الفرنسي الكبير؟

لا أعلم، ولم أجد من سيرته مع هذا العالم أو مع غيره ما يجلو لي سر هذه «الصمتة» الغريبة، ولكنني عرفت منها حقيقة لا ريب فيها؛ عرفت منها أن هذا الرجل يستطيع أن يشع من حوله جو المحبة والمودة، وأن يمحو من ظن جليسه كل احتمال للجفاء والفتور، ولولا ذلك لانصرف العالم الفرنسي من حضرته وهو عدو مبين، ولم ينصرف - كما قالت القصة وقال التاريخ - صديقا من أخلص الأصدقاء المقربين.

ثم حان الأوان وشرعت في كتابة هذه السيرة وأنا أحس كأنني جددت الصلة الفكرية بصاحب قديم، وتبينت من مراجع السيرة كلما أمعنت في تصفحها أنها بنت أوانها، إذا كان لكتابة السير أوان مفضل عدا ما تستحقه كل سيرة من التسجيل والتحليل.

فنحن في عصر التجزئة والتفتيت، أحوج ما نكون إلى مثال كامل لإنسان لم يمزقه التخصص شلوا شلوا بين شواغل العقل، وشواغل الحياة.

ونحن في عصر الطغيان على «الشخصية» الفردية، أحوج ما نكون إلى مثال من غمار الناس لم يستغرقه الغمار، ولم يمسح ملامحه المتميزة بين أمواج التيار.

ونحن في عصر النبوغ العصامي نحتاج إلى عظمة تقرب العصامية لمن يهابها، وتيسر القدوة لمن تروعه هالات العظمة في أعلام التاريخ، فيحجم عن الاقتداء بها ، ويحسب نفسه من غير معدنها.

فالعظمة في هذا العصامي من «طينة عامة» حيثما واجهتها كما قال فيه أصدق مترجميه. إلا أنك تواجهه من جهات شتى، فتلمح في كل منها تلك العظمة التي تحسبها من الطينة العامة، وتعرف كيف تكون العظمة الإنسانية أحيانا «كالسهل الممتنع» في بلاغة البلغاء، يغريك بالمحاكاة والاقتداء، ولا تعرف كيف يمتنع عليك إلا وقد تمكن منك الإغراء.

وفيما لقي هذا الرجل العظيم من العرفان تشجيع أي تشجيع.

وفيما لقي هذا الرجل من الإنكار عزاء أي عزاء، وربما كان العزاء من سير العظماء أجدى وألزم من التشجيع.

Bog aan la aqoon