Bina Umma Carabiyya
منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية على ما هي عليه اليوم
Noocyada
تكوين الأوطان العربية ونمو الوعي القومي العربي حوالي عام 1800 إلى 1950
نلاحظ أن السادة الباحثين في تاريخ نشأة فكرة القومية العربية يكثر اهتمامهم بما جرى في لبنان وسورية من مطالبة بحقوق العرب المهضومة، وبما كان من إنشاء الجمعيات العربية المختلفة في الأيام التي سبقت الحرب العالمية الأولى، ويقل اهتمام الباحثين نسبيا بنشأة الأوطان العربية المختلفة وبالعوامل التي كونتها، وبأثر الوعي القومي العربي بهذا التكوين.
وما دام الوعي القومي العربي في لبنان وفي سورية فيما قبل الحرب العالمية الأولى لم يتجه عموما إلى انفصال العرب عن الدولة العثمانية، بل اهتم بالإصلاح على أساس قومي عربي فلا أرى قصر دراسة الفكرة القومية العربية عليه دون حركات التحرير والإصلاح في الأوطان العربية الأخرى؛ ولذا فإني أختم هذا المنهاج بالكلام عن الأوطان العربية المختلفة وعوامل تكوينها والوعي القومي العربي بصفته عاملا في ذلك التكوين وبصفته متأثرا بذلك التكوين في وقت واحد.
ويصح أن نضيف سببا آخر لزيادة العناية بتلك الأوطان العربية؛ هو أنها هي التي يتكون منها الواقع العربي الحالي، وهي بأوضاعها الراهنة نطاق حركات التحرير والتآلف والتضامن العربية.
وقد فضلنا تسميتها «الأوطان» على أية تسمية أخرى؛ ذلك لأن الوصف «وطن» يصدق عليها جميعا، الوصف «وطن» أصدق من الوصف «دولة»، ففيها ما ليس كذلك، والوصف «وحدة» ينقص من قيمتها الروحية في نظر أبنائها.
والأوطان العربية عموما أوطان مجيدة التاريخ في كل أدوارها، قبل أن تصبح عربية وبعد أن أصبحت عربية، وفي كل أدوار تاريخها، قبل أن تصبح عربية وبعد أن التأمت بعضها بالبعض الآخر في دول كبرى، واتخذ هذا الالتئام أشكالا شتى تبعا لمقتضيات حسية ودوافع معنوية.
وقد ألممنا إيجازا فيما سبق بشيء من ظروفها في العهد العثماني السابق للقرن التاسع عشر. والآن نحاول أن نلم إيجازا أيضا بشيء من أحوالها في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وخصوصا بتلك العوامل التي ولدت في تلك الأوطان الوعي القومي العربي، وجعلته يؤثر في أول أمره في تطورها تأثيرا محليا، ثم كان أن نما ذلك الوعي واتخذ نطاقا لتأثيره العربي بأجمعه على ما نشاهد الآن. (1) عوامل تكوين الأوطان الرئيسية ابتداء من مطلع القرن التاسع عشر
أول هذه العوامل انتهاء عهد المغامرين من رؤساء العصابات أو أصحاب العصبيات، وإنشاء الحكومات المستتبة في الولايات العربية، من هذه الحكومات ما كانت تقيمه السلطة وتهيمن عليه تماما من العاصمة؛ كحكومات الولايات السورية بعد جلاء القوات المصرية في 1840-1841 وبغداد بعد عزل آخر الباشوات المماليك داود باشا حوالي سنة 1830، وطرابلس الغرب بعد عزل القرامنلية في 1834 وهكذا. ومن الحكومات ما قام في الولايات الممتازة كتونس ومصر، وفي الحالتين لا نرى ولاة من أمثال الجزار، أو باشوات من نوع باشوات مصر وبغداد، أو مغامرين من نوع علي بك الكبير أو ظاهر العمر ... إلخ، يغتصبون حقوق الدولة وحقوق الرعية ويخربون ما بأيديهم من أقاليم، فكان الواحد منهم يعيش ليومه ولا يخطر له أن يعمل لغده.
والحكومة المستتبة في الولاية الخاضعة للعاصمة مباشرة قد يعتورها الفساد وقد يجانبها التوفيق، ولكن فضيلتها أنها مستتبة وأنها لها سياسة ولها خطط، وأن جوهر السياسة يستمر.
وقد أدى هذا إلى أن ولايات الدول العربية تحددت حدودها ومعالمها ورسومها وأنظمتها، وأن ذلك أكسبها كيانا وأكسب ذلك الكيان أهلها وعيا بقوميتهم، واستتباب أمر الحكومة أدى إلى استتباب موقف الأهلين من الحكم ومن الحاكم؛ فجرى تأييدهم للحاكم أو معارضتهم له على أسس مستقرة، واتخذ صفات العمل السياسي المنظم الذي يعرف أدوات الصحافة والجماعات المنظمة والنشر ... إلخ. وشتان بين هذا وبين الفتن الشعبية والتجمهرات التي عرفتها الحواضر العربية قبل القرن التاسع عشر.
Bog aan la aqoon