Bina Umma Carabiyya
منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية على ما هي عليه اليوم
Noocyada
ونظام الملل في الدولة العثمانية يقوم على تنظيم رعايا السلطان الغير المسلمين في طوائف بحسب مذاهبهم الدينية؛ فملة الروم تنتظم رعايا السلطان التابعين للكنيسة الأرثوذكسية، ويصح أن يكونوا يونانا أو عربا سوريين أو بلغاريين ... إلخ. وأعضاء الملة يقضي بينهم فيما يرجعون فيه إلى شرائعهم رؤساؤهم الروحانيون، ولهؤلاء التحدث عموما عن أبناء ملتهم لدى السلطات العثمانية.
أما نظام الامتيازات فهو أقدم من الدولة العثمانية، وتجده في دول أخرى معاصرة لدولتهم، في الصين واليابان وفارس والمغرب الأقصى مثلا.
ونظام معاملة الأجانب في الولايات العثمانية أحد قسمين تألف منهما تنظيم العلاقات التجارية بين الدولة العثمانية والدول الأوروبية. أما القسم الآخر فهو ما سنته الدول الأوروبية من قوانين ولوائح لذلك الغرض. والقاعدة الأساسية فيه كانت احتكار الحكومات لتجارة الشرق
LEVANT
أو التجارة التركية كما وصفوها، والعهد بذلك الاحتكار لشركات كما في حالة إنجلترة، أو لغرفة تجارة مرسيليا كما في حالة فرنسا. وعلى أساس الاحتكار قيد السفر لأراضي السلطان والإقامة فيها تقييدا شديدا، ووضع التجار وضعا تاما تحت سلطان قناصلهم. وقد ظلت هذه القيود قائمة بالنسبة للفرنسيين حتى عهد الثورة الفرنسية حين ألغيت غرف التجارة، وبالنسبة للإنجليز حتى عام 1825 حينما ألغيت شركة الليفانت.
هذا قسم من القسمين ... أما القسم الآخر فقد وردت نصوصه في معاهدات عقدت بين الدولة العثمانية والدول الأجنبية، وأساسها معاهدة سنة 1535 المشهورة بين فرنسا والدولة. وأهم تلك النصوص إباحة الإقامة لأغراض التجارة في الثغور والمدن التي تعينها الدولة، وأن يكون للجالية الأجنبية فندقها وكنيستها ومخبزها ومدفنها، وأن يخضع أعضاؤها في معاملاتهم فيما بينهم لقضاء قناصلهم، وألا يدفعوا إلا الرسوم الجمركية على ما يستوردون ويصدرون وهكذا، ولا يتعرض عمال السلطان لتركات من يموت منهم، ولا يقتحمون فندقهم، وهكذا.
والواقع أنه حتى عهد محمد علي في مصر والسلطان محمود في أراضي الدولة كان الأولى أن تسمى «الامتيازات» شروط تنظيم إقامة الأجانب، ولم تصبح هذه امتيازات حقا إلا عندما تغيرت ظروف إقامة الأجانب في البلاد العثمانية في القرن التاسع عشر، حينما أصبحوا يعدون بالآلاف وحينما أصبحوا يقيمون أينما يشاءون، وحينما أصبحوا يباشرون ما شاءوا من الأعمال؛ عندئذ أصبحت الامتيازات امتيازات حقا للأجانب ونقمة على أبناء البلاد. وقد عجزت الحكومات الغير الأوروبية عن أن ترفع الحيف عن رعاياها؛ فقد كان العهد حتى الحرب العالمية الأولى عهد تفوق القوة الأوروبية.
ولا يتسع المقام لرسم صورة أتم لأنظمة الحكم في العصر السابق للتنظيمات. وننتقل لوصف تطورها وأحوال الأهلين في ظلها إلى آخر القرن الثامن عشر. (4) تطور الأنظمة في الولايات العربية من القرن السادس عشر لآخر القرن الثامن عشر وأحوال الأهلين
لا نستطيع أن نتتبع سير الأحداث، ولكن يمكننا أن نجمل في كلمة واحدة وصف ذلك السير؛ هي أن الذي حدث كان تدهور السلطان الشرعي، فابتدأ غصب حقوق الحكومة وحقوق الطوائف وحقوق الأفراد، وكان الغضب على يد أصحاب العصابات من المماليك أو من المرتزقة ... إلخ، أو على يد العشائر والقبائل. وقد استخدم أصحاب العصابات وأصحاب العصبيات ما في أيديهم من قوة للنهب والاعتداء.
كيف حدث هذا التدهور؟ يرجع في أصله للأنظمة في ذاتها، ثم زاده شدة عجز الدولة العثمانية عن كبح جماح عوامل الفوضى والاضطراب. أما رجوعه في الأصل للأنظمة فظاهر كما قدمنا. إن الأنظمة قامت في الأصل على أساس اشتراك الهيئات والسلطات وتوازنها، فهي إذن سمحت للعناصر المختلفة بقدر من الاستقلال والتصرف صلح أساسا فيما بعد للعمل الخاص، ثم ضعفت الدولة العثمانية في المركز ولم تستطع أن تخضع الغاصبين لسلطانها للقانون والأنظمة، فكانت لا تستطيع أكثر من بث بذور التفرقة بينهم وإثارة أحدهم ضد الآخر فيسقط غاصب ويعلو آخر ثم يثور آخر ضده فيسقطه وهكذا.
Bog aan la aqoon