Bila Quyud
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Noocyada
والقرع في وادي المكسيك قبل فترة تتراوح بين ثمانية وستة آلاف عام مضت، بينما استؤنس اليام والقلقاس والموز في مرتفعات غينيا الجديدة منذ نحو سبعة آلاف عام. في الوقت نفسه تقريبا، كان اليام والقطن والبطاطا الحلوة تستأنس في المنطقة الاستوائية المعروفة الآن بالإكوادور وكولومبيا، بينما كان الفول السوداني والفلفل الحار والبفرة (يعرف أيضا باسم الكاسافا وجذور التابيوكا) تستأنس في الأراضي المنخفضة المدارية من حوض الأمازون.
واستؤنست البطاطا والكينوا في مرتفعات ما صار يعرف الآن ببيرو وبوليفيا قبل سبعة إلى خمسة آلاف عام. واستؤنس عباد الشمس واليقطين والقرع في شرق أمريكا الشمالية قبل خمسة إلى أربعة آلاف عام، بينما في الوقت نفسه تقريبا كان الدخن والذرة البيضاء واليام والبن تستأنس في أفريقيا جنوب الصحراء، وكان الخيل يستأنس في وسط آسيا.
4
لماذا جرى مثل هذا التغيير الجوهري في العلاقة بين البشرية والبيئة الطبيعية في جميع أرجاء العالم في الفترة ما بين قبل أحد عشر ألف وأربعة آلاف عام؟ لماذا ظهرت الزراعة في الوقت نفسه تقريبا في العديد من الأماكن المختلفة في أنحاء العالم؟ ولماذا بدأت الزراعة في كل منطقة بخليط من النباتات والحيوانات مختلف عن تلك التي استؤنست في الهلال الخصيب، بدلا من الانتشار من نقطة انطلاق واحدة في الشرق الأوسط؟ إذن يظل السؤال هو: ما الشيء الجديد أو المختلف الذي اتسم به بشر العصر الحجري الحديث؟ وماذا كان لديهم من قدرات تمكنهم من ابتكار أسلوب حياة مختلف جذريا؛ قدرات لم تكن لدى فصيلة أشباه البشر في الفترات السابقة؟
هل اللغة المنطوقة هي الحلقة المفقودة؟
كتب عالم الآثار البارز أندرو شيرات عام 1997م قائلا: «يبدو أن نزعة التدخل في البيئة بطرق غير مسبوقة كانت سمة متأصلة لدى الإنسان الحديث؛ من هذا المنطلق ترتبط «نشأة الزراعة» بظهور اللغة والأنظمة الرمزية بقدر ما ترتبط بالتغير المناخي.»
5
هل كانت تقنية التواصل الرمزي هي العنصر الحاسم الذي كان مفقودا في الثقافات البشرية خلال فترات أقدم من عصور ما قبل التاريخ في حياة البشر؟ هل كان «ظهور اللغة والأنظمة الرمزية» جنبا إلى جنب مع ارتفاع درجة حرارة الأرض، هما العاملان المتضافران اللذان مكنا البشرية من إنتاج غذائها أخيرا؟
الأدلة الباقية من ثقافات العصر الحجري القديم العلوي في أوروبا توحي بأن التواصل الرمزي لم يتعد المرحلة البدائية حتى لدى الإنسان الحديث تشريحيا قبل ثلاثين أو أربعين ألف سنة مضت، وهي الفترة التي تتزايد بعدها الأدلة على الموسيقى والفنون والرسم واستخدام الرموز باطراد من حيث الكم والتنوع، لكن طوال العصر الحجري القديم العلوي كله طغت آثار العصر الجليدي الأخير على مناخ الأرض، والموائل التي عاشت فيها شعوب ما قبل التاريخ تلك كانت بوجه عام شديدة البرودة وشديدة الجفاف بما يجعلها بيئة غير مواتية لإنبات المحاصيل.
ذروة العصر الجليدي الأخير - المعروفة أيضا باسم الذروة الجليدية الأخيرة - وقعت قبل ثمانية عشر ألف عام تقريبا، بعدها ارتفعت درجة حرارة الأرض عامة، وصار هطول الأمطار أغزر، وأصبحت ظروف زراعة الطعام مواتية أكثر. حدثت الذروة الجليدية السابقة لتلك منذ نحو 140 ألف عام، واستمرت الفترة الدافئة الفاصلة بين عصرين جليديين التي تلتها نحو عشرة آلاف عام، لكن هذا كان قبل ظهور الإنسان الحديث تشريحيا في أوروبا بزمن طويل، وربما قبل أن يتطور لدى أي من أشباه البشر اللغات المنطوقة بحق التي يتحدث بها كل البشر الآن. فإذا كانت اللغة ضرورية لنمو الزراعة، فهذا سيفسر لماذا لم تبدأ الزراعة خلال الفترة الفاصلة بين عصرين جليديين التي وقعت تقريبا قبل ما بين 130 ألف و120 ألف عام مضى.
Bog aan la aqoon