Bila Quyud
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Noocyada
تبين هذه التماثيل وأمثلة رفيعة أخرى من فن العصر الحجري القديم أن بشر الكرومانيون استخدموا قدراتهم الفنية السريعة التطور في تصوير الحيوانات والناس الذين سكنوا عالمهم، لكن البشر في تلك الحقبة استخدموا كذلك تصاميم تصويرية ذات طبيعة أكثر غموضا لتسجيل المعلومات والخواطر والأفكار وتناقلها. ربما لا يوجد بين الأشياء التي ظلت باقية من عصور ما قبل التاريخ ما هو أكثر إيحاء وأكثر غموضا من التصاميم الرمزية المسماة نقوشا حجرية التي رسمت ونقشت على جدران كهوف العصر الحجري القديم. وسوف نتناول موضوع النقوش الحجرية بالبحث بالتفصيل لاحقا في هذا الفصل، لكن لا بد أولا أن نتدبر السؤال التالي: كيف صار البشر يستخدمون تصاميم مرئية للتعبير عن الخواطر والأفكار في المقام الأول؟
رمزية آثار أقدام الحيوانات
البصر هو الأهم بين كل الحواس للرئيسيات، بما في ذلك أشباه البشر. بعد عشرات ملايين السنين من التكيف مع الحياة على الأشجار، صار أسلافنا من الرئيسيات أكثر اعتمادا بكثير على حاسة البصر من حاسة الشم. بالنسبة إلى الحيوانات التي تعيش على الأرض، حيث تبقى الروائح وتكثر، فهي تميل لأن يكون لديها حاسة شم متطورة للغاية، وهذا ينطبق بوجه خاص على الثدييات. أما في قمم الأشجار التي تتخللها الرياح فيرجح أن تذرو الرياح الروائح، في حين يكون من المهم رؤية حركة الضواري أو لون الفاكهة الناضجة من مسافات بعيدة. نتيجة لهذا، فقد أسلافنا ساكنو الأشجار الكثير من قدرتهم على الشم تدريجيا، لكنهم اكتسبوا بصرا أقوى بدرجة كبيرة، مع رؤية الألوان والقدرة على الرؤية في الفضاء الثلاثي الأبعاد.
حين أضاف أشباه البشر الأوائل استراتيجية الصيد لدى المفترسات إلى استراتيجية جمع الثمار لدى الرئيسيات الأسلاف، صاروا لا يمتلكون سوى حاسة الشم المتضائلة التي ورثوها من أسلافهم ساكني الأشجار؛ لذا بدلا من تعقب فريستهم بحاسة شم شديدة التطور كما هو معهود في أغلب الثدييات المفترسة الأخرى، اعتمد أشباه البشر بدلا من ذلك على بصرهم المتطور للغاية.
دائما ما يجد اختصاصيو علم الإنسان الذين دأبوا على دراسة مجتمعات الصيد وجمع الثمار أن الصيادين الرحل متمكنون من تقفي الأثر بالبصر؛ فأقل الأشياء التي قد يغفل الناس عن ملاحظتها من غصون مكسورة أو أوراق حشائش منحنية انحناءة بسيطة، أو أثر قدم على تربة رطبة يستطيع الصائد المحنك قراءته بالسهولة التي أستطيع أنا وأنتم بها قراءة عناوين الصحف. وبمجرد أن يطعنوا فريستهم بالرمح أو يسمموها - رغم أنها قد تعدو بعيدا عن النظر - ستكشف أقل قطرة دماء في فيض الحشائش أو أدق تغير في لون فضلاتها لعين الصياد الخبير أثر الحيوان الذي أصابوه.
على مدى المليون سنة الماضية، مع تطور البشر الناشئين إلى صيادين متزايدي المهارة، تطور تفسير آثار الحيوانات إلى فن راق؛ فلم يعد البشر الناشئون يعتمدون على رؤية فريستهم رأي العين، وتعلموا كيف يشعرون بوجود فريستهم ويقتفون حركاتها بالتعرف على إشارات واضحة تركتها في البيئة حيوانات الصيد التي كانت تعيش بالقرب منهم والتي تمر بأراضيهم.
مع تزايد بروعهم في الربط بين العلامات المرئية لآثار الحيوانات وبين نوعيات وحالة الخنازير البرية والغزلان والظباء والأيائل والخيول وثيران البيسون والماشية الوحشية التي كانوا يطاردونها، تطور لدى البشر الناشئين، بالإضافة إلى قدراتهم الشديدة الحساسية والتمييز على الإدراك البصري، القدرة الفريدة على الربط بين أنماط مرئية محددة وأنشطة الحيوانات والناس، وحالاتهم، والأعمال التي دلت عليها تلك الأنماط.
لا بد أن بشر النياندرتال، الذين كانوا صيادين فائقي الموهبة، كانوا يمتلكون قدرة شديدة التطور على اقتفاء الأثر باستخدام حاسة البصر، لكن بشر الكرومانيون وغيرهم من البشر الحديثين تشريحيا هم الذين أخذوا الخطوة التطورية المنطقية التالية، وابتكروا إشارات ورموزا خاصة بهم لتمثل حيوانات وأشخاصا وحالات وسلوكيات وأفعالا معينة. وبمجرد أن أخذ الإنسان الحديث تشريحيا هذه الخطوة الحاسمة، بدأ يتوسع في تقنية التواصل الرمزي لدرجة غير مسبوقة في تاريخ أشباه البشر. وفي خضم ذلك أطلق العنان لتحول أساسي آخر في الحياة والمجتمع البشري.
أقدم الأدلة على استخدام الرموز
رغم أن رسومات كهوف بشر الكرومانيون ونقوشهم الحجرية قد تكون مثالا خالصا على التواصل الرمزي الذي تركه بشر ما قبل التاريخ، فإنه يوجد دليل مثير يعود لأزمان سابقة على ظهور بشر الهومو سيبيانز بوقت طويل؛ إذ يوحي هذا الدليل بأن الهومو إريكتوس وغيره من البشر الناشئين قد بدءوا يرسمون تصميمات على العظام والأصداف منذ مئات آلاف السنين.
Bog aan la aqoon