Bila Quyud
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Noocyada
تلال كانتابريا على الساحل الشمالي الشرقي لإسبانيا زاخرة بالأحياء البرية ومزدهرة الزرع من غزارة الأمطار. كانتابريا في عصور ما قبل التاريخ بجداول مائها العذب، وقربها من المحيط، ومروجها المرتفعة، وغاباتها الجبلية، وكهوفها وملاذاتها الصخرية المتعددة، كانت وطنا لعدد كبير من البشر الحديثين تشريحيا، الذين خلفوا وراءهم إحدى أثرى مجموعات مواقع العصر الحجري القديم الأثرية التي عثر عليها على الإطلاق.
يشمل العصر الحجري القديم ثلاثة عصور طويلة في التاريخ التطوري لأشباه البشر. أقدمها هو العصر الحجري القديم السفلي، الذي بدأ قبل ثلاثة ملايين عام تقريبا مع أشباه البشر الأوائل واستمر طوال زمن البشر الناشئين. يليه في القدم العصر الحجري القديم الأوسط، الذي بدأ تقريبا قبل 250 ألف عام ويتزامن مع عصر النياندرتال. الأحدث عهدا هو العصر الحجري القديم العلوي، الذي بدأ قبل نحو 50 ألف عام وهو مرتبط ببشر الكرومانيون وبشر آخرين حديثين تشريحيا. لقد استخدمت مصطلح «العصر الحجري القديم العلوي» كثيرا في هذا الفصل للإشارة إلى الفترة التي عاش فيها الإنسان الحديث تشريحيا في أوروبا في فترة تتراوح ما بين 50 ألف سنة حتى قبل 11 ألف سنة مضت؛ لأن هذا يساعد على تمييزهم عن مجتمعات العصر الحجري الحديث المنتجة للغذاء التي سيأتي وصفها في الفصل التالي.
6
في الفترة بين قبل 17 ألف عام و11 ألف عام، كان يسكن كانتابريا شعب أوروبا المجدليني،
7
الذين صنعوا شفرات حجرية متقنة للغاية شكلت بحيث تركب لها مقابض مثل الأدوات اليدوية وأنصال المقذوفات. بالإضافة إلى العديد من الأمثلة الرائعة لأدوات وأسلحة من الأحجار والعظام والقرون، ترك شعب كانتابريا المجدليني أيضا أدلة وفيرة على أنهم كانوا قادرين على التعبير عن خواطرهم وأفكارهم من خلال رمزية التعبير الفني.
حين بدأ اختصاصيو علم الحفريات في أواخر القرن التاسع عشر استكشاف المواقع التي عاش فيها الشعب المجدليني في فرنسا وإسبانيا، اكتشفوا نوعا من بقايا ما قبل التاريخ التي كانت، في ذلك الوقت، مجهولة تماما في العلم الحديث: مجموعة ثرية من الرسومات واللوحات والرموز والأيقونات التي تركها هذا الشعب المميز على جدران الكهوف التي سكنوها وأسقفها.
ذات يوم من عام 1868م كان الصياد الإسباني موديستو بيريس وكلبه يطاردان ثعلبا في مكان يسمى ألتاميرا في تلال كانتابريا، حين اختفى كلبه فجأة عن الأنظار. اكتشف موديستو في النهاية أن الكلب قد سقط في صدع صغير حجبته الصخور والزرع، وهبط بداخل كهف كبير لم يكن أحد يعلم بوجوده. بعد إنقاذ الكلب، عاد موديستو لمنزله وأبلغ مالك الأرض النبيل الإسباني، مارسيلينو سانز دي ساوتولا، بما اكتشفه، لكن التلال قرب ألتاميرا كانت مليئة بالكهوف، ولم يأبه دي ساوتولا كثيرا بهذا الاكتشاف في البداية.
بيد أنه مع مرور عدة سنوات صار مارسيلينو دي ساوتولا مهتما بعلم الحفريات الجديد وبالعدد المتزايد لبقايا ما قبل التاريخ التي كانت تكتشف في الكهوف الأوروبية، وفي عام 1875م بدأ التنقيب في الرواسب التي تراكمت بالقرب من مدخل الكهف الواقع في ألتاميرا. وسريعا ما عثر دي ساوتولا على الكثير من الأدلة على سكنى بشر من الثقافة المجدلينية التي ازدهرت في أوروبا في الفترة قبل 17 ألف عام حتى 11 ألف عام مضت، وبدأ يرتاد كهف ألتاميرا أكثر، حتى صار من عادته إحضار ابنته ذات الخمسة أعوام ماريا معه ليأنس بصحبتها. ولما كانت ماريا فتاة فضولية فقد كانت تطلب من أبيها مرارا أن يسمح لها باستكشاف باطن الكهف المظلم، لكن دي ساوتولا كان يرفض دائما، مصرا أن سكان الكهف سكنوا بالقرب من مدخله فقط، وأنه لن يعثر على شيء يثير الاهتمام داخل الكهف (انظر شكل
5-1 ).
Bog aan la aqoon