Bila Quyud
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Noocyada
تقنية النار
الطهي والعري والسهر
بروميثيوس ... صعد إلى السماء، وأضاء شعلته من عربة الشمس، وهبط بالنار إلى الإنسان. وبهذه الهبة صار الإنسان أكثر من ند لكل الحيوانات الأخرى.
توماس بولفينش، «قصص الآلهة والأبطال»
في عصر يوم سبت في شهر نوفمبر من عام 1924م، كان البروفيسور ريموند دارت يرتدي ملابسه من أجل حفل زفاف حين وصله صندوقان يحتويان على بعض الحفريات من محجر حجر جيري وهو في منزله في جوهانسبرج، في جنوب أفريقيا. حين فتح الصندوق الأول لم ير شيئا أثار كثيرا اهتمامه، لكن عندما فتح الصندوق الثاني «سرت في بدني رجفة الإثارة»، كما قال لاحقا. دارت الذي لم يكن يتجاوز عمره حينذاك الثانية والثلاثين، كان أسترالي الأصل، درس التشريح في أستراليا وإنجلترا، ثم أرسل إلى جامعة ويتووترزراند الناشئة في جوهانسبرج لينشئ قسما للتشريح ذا مصداقية هناك. وفي وقت سابق من ذاك العام كان قد سمع عن العثور على حفريات جماجم لقردة البابون في محجر حجر جيري في قرية تونج النائية، وطلب أن ترسل إليه مباشرة أي حفريات جديدة.
ضمت محتويات الصندوق الثاني قالبا داخليا؛ نموذجا طبق الأصل لتجويف جمجمة، تكون حين حل الحجر الجيري محل أنسجة المخ الرقيقة تدريجيا، ما يعد شبه استنساخ لشكل المخ الأصلي لكائن قديم. ويستأنف ريموند كلامه فيقول: «عرفت من أول وهلة أن ما في يدي ليس مخا عاديا لأحد أشباه الإنسان؛ فقد كان نسخة لمخ يعادل ثلاثة أضعاف مخ البابون وأكبر كثيرا من مخ الشمبانزي البالغ.» لكن أين كان باقي الجمجة القديمة؟ أين كان الوجه الذي يكمل هذا المخ؟ بحث دارت بحماسة في الصندوقين، وسريعا ما وجد كتلة كبيرة من الحجر ذات تجويف على شكل وعاء. وكان القالب الداخلي ملائما تماما للتجويف. لا شك أن وجه هذا الكائن كان في مكان ما في الحجر.
قال البروفسير دارت: «وقفت في الظل حاملا المخ في حرص كما يحمل أي رجل شحيح كنزه، وذهني يسبق الأحداث؛ فقد كنت متأكدا أن ذلك كان أحد أهم الاكتشافات في تاريخ علم الإنسان.» لكن حينذاك شعر دارت بمن يشد كمه. كان العريس يرجوه أن ينتهي من ارتداء ملابسه؛ فقد كان يترقب وصول سيارة العرس في أي لحظة. على مضض أعاد دارت الصخور في الصندوقين، واضعا القالب الداخلي والصخرة الكبيرة ذات التجويف الذي على شكل قصعة جانبا، وأوصد الباب على كنزه النفيس في الخزانة.
ظل دارت لأسابيع يكشط كتل الحجر الكبيرة بحرص، واثقا أن وجه هذا الكائن الكبير المخ كان مطمورا فيه. واستخدم إبر حياكة زوجته المشحوذة لانتزاع الحجر الجيري الطري من الجمجمة التي بداخله. وأخيرا قبل الكريسماس بيومين، أمكن بوضوح تمييز وجه طفل أحد أشباه البشر القدامى وهو يتجلى في الصخر شيئا فشيئا. وقد كتب دارت قائلا: «أشك أن يكون أي أب قد تملكه زهو بابنه أكثر مما تملكني الزهو بطفل تونج في عيد الميلاد لعام 1924م» (انظر شكل
3-1 ).
شكل 3-1: البروفيسور ريموند دارت معه «طفل تونج». أول حفرية يعثر عليها للأوسترالوبيثيكوس على الإطلاق. (المصدر: ويكيميديا كومونز.)
Bog aan la aqoon