Bila Quyud
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Noocyada
لقد افترض أن الثديين المرتفعين في الحيوان المنتصب القامة يحاكيان الأرداف لدى أسلافنا ذوي الأربع؛ ومن ثم تطورا ليحلا محل الأرداف كعلامة جنسية. لكن رغم صحة أن الأرداف لها جاذبية جنسية معينة، فإن الوقوف بقامة منتصبة لا يكاد يخفيها أو ينزع عنها صفتها كمثيرات للرغبة.
ترى نظرية أخرى أن أعضاء الأنثى الجنسية صارت من الأساس مخفية مع تطور الوضع المنتصب، فتولى الثديان دور العلامة الجنسية الذي كانت تلعبه الأعضاء الجنسية المنتفخة خلال الدورات الشبقية في السعادين والقردة ذوات الأربع. لكن لما كان ثديا الأنثى منتفخين دائما، فلا يمكن أن يقوما بوظيفة علامات مرئية لحدوث تبويض وإمكانية الحمل. وإناث البشر في كل المجتمعات تقريبا يبذلن جهدا كبيرا لإخفاء أعضائهن الجنسية عن نظر الرجال. وعدم ظهور أعضاء الأنثى الجنسية بشكل واضح بالكاد يقلل من إثارتها للذكر البالغ عادة.
ثمة تفسير أكثر بساطة؛ وهو أن ثديي الأنثى تطورا ليصيرا أعضاء ذات أهمية جنسية نتيجة تغيرين مهمين طرآ على سلوك أشباه البشر. الأول هو اختفاء الدورات الشبقية وحلول الاستعداد الجنسي المستمر محله لدى الإناث. هكذا صار التضخم الدائم للثديين عند البلوغ علامة بصرية للاستعداد الجنسي المستمر للمرأة. ووقع التغير الثاني ، على امتداد تطور أشباه البشر، حين صارت علاقة ذكر الرئيسيات بأمه - علاقة رعاية أبدية الحب والحماية - مرتبطة على مستوى عصبي عميق، بعلاقة ذكر أشباه البشر بزوجته.
من المعهود لدى القردة والسعادين الذكور إبداء درجة من الحب والحماية نحو أمهاتهم نادرا ما يبدونها تجاه رفيقاتهم في الجماع؛ لذا قد تكون أثداء الإناث البالغات الدائمة الارتفاع قد تطورت كاستراتيجية لإعادة توجيه مشاعر حب الأم لدى الذكور البالغين إلى مشاعر اهتمام برفيقاتهم في الجماع. على أقل تقدير، كانت هذه المشاعر ستترجم إلى فرص أكثر لاقتسام الطعام بين الأزواج، وكذلك حماية أكثر يقظة من تهديدات الضواري وأشباه البشر الآخرين. وهذا كان من شأنه أن يزيد أعمار ونجاح تناسل أولئك الإناث من البشر اللائي صارت أثداؤهن دائمة الارتفاع منذ البلوغ.
منذ أكثر من 35 ألف سنة، كانت شعوب ما قبل التاريخ تنحت «تماثيل مصغرة لجسد المرأة» من الحجر والعاج، مزودة بأثداء وأرداف وفروج هائلة. وهذه التماثيل المصغرة تعد من بين أقدم التجسيدات الباقية للشكل البشري، وسوف نتناولها بالتفصيل في الفصل الخامس. من الواضح أن الدلالة الجنسية لثدي الأنثى ظاهرة قديمة في التاريخ البشري، لكن تظل نشأة ثدي الأنثى الناهد دائما في نوعنا لغزا قد ينجح علم الأعصاب وعلم نفس التطور في حله في النهاية، لكن أيا كان أصله فوظيفته كرابط بين مشاعر الأمومة والمشاعر الجنسية لا يمكن تجاهلها. وهذا الرابط واحد من العناصر العديدة في الشبكة الفريدة للعلاقات التي تربط كل البشر معا في المجموعات الشائعة الدائمة التي نسميها أسرا.
الشبكة الخاصة من المشاعر والعلاقات التي تنمو طبيعيا بين الذكور والإناث، والآباء والأطفال، والأشقاء الذين يعيشون معا لسنوات ويصيرون مرتبطين طيلة العمر، إنما هي ابتكار منفرد لأشباه البشر؛ فالأسرة لدى أشباه البشر أكثر من استراتيجية للبقاء على قيد الحياة؛ إنها حجر أساس المجتمع البشري.
خلقت نشأة الأسرة البشرية شبكة من العلاقات الشخصية الراسخة التي تربط الأسر المصغرة معا بالأسر الأكبر الممتدة. مع تطور أشباه البشر الأوائل إلى الإنسان الحديث، نتج عن أنظمة الأسر الممتدة هذه أنظمة قرابة معقدة، وقواعد للزواج والنسب والميراث، وانتقال الثروة والنفوذ بالوراثة من جيل للجيل التالي. العشائر القبلية والسلالات الملكية التي أعطت هيئة واستقرارا لمجتمعات الصيد وجمع الثمار والمجتمعات المتحضرة على السواء طوال الجزء الأكبر من التاريخ البشري لم تكن لتوجد لولا الروابط العاطفية العميقة التي تكونت في بوتقة الأسرة. •••
حين بدأ أسلاف أشباه البشر صنع الرماح وعصي الحفر وحملها واستخدامها في حياتهم اليومية، بدءوا سلسلة من الأحداث توجت بتطور حيوان له شكل جسدي جديد جذريا، تكيفا مع البيئة التي تطلبت تعاونا غير مسبوق بين الذكور والإناث، وامتداد السلوك الجنسي بدرجة هائلة، وظهور روابط أسرية كانت بمنزلة لبنات بناء لمجتمعات أكبر وأكثر تطورا للإنسان الحديث.
أدت تقنية الرماح وعصي الحفر إلى حدوث نقلة لدى البشرية؛ لأن الأدوات والأسلحة المصنعة كانت تفوق نظيراتها البيولوجية. وقد أتاح تفوق ما هو تقني على ما هو بيولوجي لأشباه البشر بدء رحلتهم التطورية الممتدة صوب الهيمنة على كل أشكال الحياة الأخرى. وكما سنرى في الفصل التالي، زادت سطوة السلالة البشرية مرة أخرى لدرجة هائلة خلال التحول الرئيسي الثاني، حين أتقنت مجموعة مميزة جدا من أشباه البشر تقنية النار، وأطلقت استراتيجية أخرى غيرت مجرى التاريخ في الصراع من أجل البقاء.
الفصل الثالث
Bog aan la aqoon