Bila Quyud
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Noocyada
هكذا يعيش طفل الرئيسيات في اتصال جسدي حميم مع أمه طوال الشهور أو السنوات الأولى من حياته، والرابط الناشئ بين الأم والطفل في الرئيسيات نتيجة لهذا الاتصال الجسدي المستمر ليس قويا فحسب، وإنما تنفرد به الرئيسيات أيضا. العلماء الذين يدرسون سلوك القردة والسعادين في الحياة البرية لاحظوا العديد من العلاقات الممتدة طوال العمر بين الأمهات والأبناء - خاصة بين أقرب أقربائنا، قردة الشمبانزي - ومثل هذه العلاقات نادرة أو معدومة في الأنواع الحيوانية الأخرى.
أما أطفال أشباه البشر الأوائل فلم يكونوا قادرين على التعلق بفراء أمهاتهم بالطريقة نفسها؛ فقد كانت إصبع القدم الكبيرة المواجهة للأصابع الأخرى قد دارت لأسفل من أجل حركة أكثر كفاءة على القدمين، ولم تعد أقدام رضع أشباه البشر الأوائل قادرة على التشبث بفراء أمهاتهم؛ فبعد أن أصبح لرضع أشباه البشر الأوائل يدان فقط للتشبث بدلا من أربع زادت عدم قدرتهم على التشبث بأمهاتهم، واحتاجوا بدلا من ذلك إلى دعم دائم من ذراعي أمهاتهم.
كذلك زادت القامة المنتصبة كثيرا من أعباء الحمل؛ فالحمل لدى الحيوانات ذوات الأربع يزيد الوزن، لكنه لا يغير مركز الجاذبية في جسد الأم، لكن في حالة أشباه البشر المنتصبي القامة يبدل الحمل مركز جاذبية الجسم للأمام، متطلبا من الأم الميل للخلف أكثر فأكثر مع تطور الحمل لتعويض ذلك.
يندر الصيد بالافتراس نسبيا بين السعادين والقردة، لكنه يحدث بين قردة الشمبانزي والبابون، حيث تقوم به عادة مجموعات من الذكور المتعاونين. تفيد كل هذه العوامل بأن الصيد بالافتراس كان يمارسه بين أشباه البشر الأوائل في أغلب الأحيان الذكور البالغون، في حين كانت الإناث البالغات يمارسن الاستراتيجية الأكثر تقليدية لدى الرئيسيات بجمع الفاكهة والتوت والدرنات والبذور والبيض والحشرات، إلا أن إناث أشباه البشر وأبناءهن كانوا يحتاجون نظام اللاحمات الغذائي الغني بالبروتين كيفما احتاجه الذكور الصيادون أنفسهم. وهذا يعني أن إناث أشباه البشر اللائي كن يتوصلن لغنائم الصيد كن حتما يحصلن على تغذية أفضل - وكان احتمال بقاء أبنائهن على قيد الحياة أكبر - من الإناث اللائي لا يتاح لهن تلك الغنائم.
ورغم أن السعادين والقردة لا يتقاسمون الطعام عادة - ولا حتى مع أبنائهم - فهم يدأبون على تقاسم الطعام مع رفاقهم الجنسيين. هكذا، حتى يستفيد كلا جنسي أشباه البشر لأقصى درجة من هذا التقسيم غير المألوف للعمل، تطور نمط من السلوك الجنسي غير الموجود في أي مكان آخر في مملكة الحيوان. أبرز جانب من جوانب هذا التكيف الجنسي الفريد هو أن أكثر الممارسات الجنسية - بما فيها الجماع - تقع حين لا تكون الأنثى في مرحلة التبويض ولا يوجد احتمال لحدوث حمل.
مع وضع هذه الحقيقة البسيطة في الاعتبار يبدو من الواضح إلى حد بعيد أن الجزء الأكبر من السلوك الجنسي البشري يحقق غرضا آخر غير التكاثر. ورغم أننا ليس في مقدرتنا ملاحظة السلوك الجنسي لأشباه بشر ما قبل التاريخ، فمن المحتمل أن يكون أوائل أشباه البشر أنفسهم قد توصلوا للسلوك الجنسي شبه المتصل الذي يتميز به بشر العصر الحديث كطريقة للحفاظ على علاقات قوية - بما في ذلك اقتسام الطعام - بين الذكور والإناث.
دورة شبقية شبه دائمة: أشباه البشر يحدثون ثورة في العلاقة الجنسية
تميل أغلب الرئيسيات للأنانية الشديدة حيال الطعام؛ فهي عادة ما تتناوله في عزلة، وكثيرا ما تتجاهل الآخرين بلا اكتراث، وحتى أبنائها الذين قد يستجدون ويتوسلون من أجل لقمة واحدة. بيد أن ثمة استثناء جديرا بالملاحظة يقع حين تمر الأنثى بدورتها الشبقية وتكون نوعا من العلاقة الجنسية تسمى الثنائي المتصاحب مع ذكر بالغ. ينفصل الثنائي المتصاحب المتآلف حديثا عن المجموعة ويقضيان أغلب وقتهما معا؛ يتجامعان، وينظف كل منهما الآخر، ويتقاسمان الطعام، لكن حين تنتهي الدورة الشبقية تفقد الأنثى رغبتها في الجنس، ويفقد الذكر رغبته في الأنثى، وينفصل الثنائي المتصاحب ليمضي كل فرد في حال سبيله. ولا يحدث النشاط الجنسي أو الاقتران للتعاشر أو تقاسم الطعام مرة أخرى حتى يولد الطفل الجديد، ويتجاوز فترة الرضاعة، ويصير عمره مناسبا لفطامه.
هذه مشكلة غير موجودة لدى السعادين والقردة التي لا يزود نظام غذائها النباتي بدرجة كبيرة باللحم إلا أحيانا، والتي يتيح صغارها المتشبثون بقوة حرية تكاد تكون كاملة في الحركة لأمهاتهم، لكن بما أن إناث أشباه البشر البالغات لم يكن لهن الحرية للصيد بوجه عام، فقد حلت هذه المشكلة حين خمدت المظاهر الخارجية للدورة الشبقية، وحل محلها استعداد ممتد للجماع. وبدلا من الدورات الشبقية التي تحفزها الهرمونات وما تنطوي عليه من علاقات عابرة، نشأ شيء جديد: شهية أعم للجنس امتدت متعدية الحدود القديمة للتبويض والخصوبة لتستمر لأطول فترة ممكنة من الشهر، وامتدت حتى أثناء الحمل والرضاع.
ورغم أن دورة الخصوبة لدى البشر ما زالت تحمل سمات التوقيت الشهري المعهودة في الرئيسيات، فإن إناث البشر وحدهن بين إناث الثدييات ليس لديهن فترات محددة من الاستعداد الجنسي؛ فإناث البشر لا تأتيهن دورات من الرغبة الجنسية الخارجة عن السيطرة التي تثيرها الهرمونات، ولا يبدو عليهن التضخم الهائل في الأعضاء التناسلية الذي يتزامن مع التبويض لدى الأنواع غير البشرية من الرئيسيات. لإناث البشر حرية أن يثاروا جنسيا خلال أي جزء تقريبا من الدورة الإنجابية، ويشاركن في علاقة جنسية ليس فقط حين تقل خصوبتهن، لكن أيضا أثناء الحمل والرضاع وبعد انقطاع الطمث. ومع هذه الزيادة الهائلة في استعداد الإناث للنشاط الجنسي، تغير كذلك نمط السلوك الجنسي لذكور أشباه البشر تغيرا تطوريا كبيرا.
Bog aan la aqoon