Bila Quyud
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Noocyada
لقد ثبت أن فقدان كل ثنائيات الأقدام التي عاشت في عصور ما قبل التاريخ سلاح الأسنان كان نهائيا؛ فلم يستعد أي من أشباه البشر الأوائل الأنياب الكبيرة الخطيرة التي كانت لدى أسلافهم فيما قبل التاريخ. حين تبنت أحد أمم قردة ما قبل التاريخ القديمة تقنية صناعة الرماح واستخدامها، صارت استراتيجية للصيد والدفاع تفوقت بنجاح على السلاح العضوي لدى كل من الضواري والفرائس التي عاشت في تلك البيئات السابقة على التاريخ.
وبمجرد أن صارت الساقان الخلفيتان قادرتين على تحمل مسئولية الحركة بالكامل، أصبحت الساقان الأماميتان حرتين في تلبية أغراض أخرى؛ فقد أمكن استخدامهما في صنع الأدوات والأسلحة، وأمكن استخدامهما في حمل هذه الأدوات والأسلحة من مكان لآخر. كان أشباه البشر الذين يمشون على قدمين قادرين على استخدام أياديهم وسواعدهم الحرة في نقل أحمال ثقيلة نسبيا - مثل غنائم الصيد أو كمية من الفاكهة الناضجة - من مكان لآخر؛ مما مكنهم من جلب الطعام الذي أصابوه في أماكن بعيدة عند العودة إلى مقر الجماعة، كما افترضت فرضية المدد. وكانت التقنية الأساسية نفسها - في شكل عصا حفر - تستخدم أيضا في جمع الطعام المدفون في الأرض. في مجتمعات الصيد وجمع الثمار، كانت النساء يستخدمن مثل تلك العصي بصفة دورية في الحفر للوصول إلى الجذور والأبصال والدرنات وأعشاش النمل الأبيض وجحور الحيوانات الصغيرة، وكذلك لإسقاط الجوز والفاكهة من أطراف فروع الأشجار التي كانت نحيلة لدرجة يستعصي معها تسلقها.
أخيرا، يبدو أن تقنية الرماح وعصي الحفر لم تبعث على تطور المشي على قدمين فحسب، وإنما كانت مسئولة في النهاية عن تطور البشرية نفسها. رغم ما قد يبدو عليه هذا الزعم من غرابة، فمن المحتمل جدا أن تكون الهيئة البدنية النادرة والمحببة جدا والمحتفى بها كثيرا للجسم البشري ترجع في أصلها لمجموعة من القردة القديمة - التي ضاعت منذ زمن بعيد في غياهب ما قبل التاريخ - والتي كانت أول من أتقن استخدام الإمكانيات الاستثنائية للعصي الطويلة الحادة في الهجوم والدفاع وجمع الغذاء.
لكن التحول إلى القامة المنتصبة والحركة على قدمين قد فرض بعض القيود المهمة على قدرة إناث بشر ما قبل التاريخ على صيد الحيوانات الكبيرة. ربما كانت هذه القيود ذاتها هي التي نتج عنها ظهور تقسيم فريد للعمل قائم على النوع الجنسي بين البشر، وهو تقسيم العمل الذي لا تجد له وجودا في أي أنواع أخرى من الحيوانات.
الصيد وأعباء الأمومة لدى إناث أشباه البشر
بمجرد أن تبنى أشباه البشر الأوائل التقنية التي شملت أدوات وأسلحة مصنوعة من الخشب، بدءوا يستخدمون أسلحتهم الفتاكة في صيد حيوانات أخرى وقتلها من أجل لحومها، وبقيامهم بهذا ابتكروا تكيفا بشريا بيئيا فريدا - أسلوب حياة عرف بالصيد وجمع الثمار - مارسه كل عضو في النسل البشري حتى بدأ البشر تبني تقنية الزراعة منذ اثني عشر ألف عام تقريبا، لكن على عكس إناث كل الأنواع الضارية الأخرى تعارضت متطلبات الصيد مع أعباء الأمومة الثقيلة بين أشباه البشر.
في كل الأنواع الضارية الأخرى تشارك الإناث الذكور على قدم المساواة في كل جوانب الصيد، وفي بعض الأنواع - منها على وجه الخصوص تلك اللاحمات الشهيرة، الأسود الأفريقية - تتفوق الإناث على الذكور في نوعية فرائسها وكميتها؛ فتستطيع اللبؤات فعل ذلك لأن صغارها تكون مخبوءة بأمان في أعشاش وجحور، حيث لا تتدخل في الصيد أو تتعرض للإصابة في موقع هجوم قاتل. وينطبق الأمر نفسه على كل إناث الضواري الأخرى، مثل الفهود والنمور والذئاب والدببة والثعالب وابن عرس والحيتان القاتلة وخنازير البحر والفقمات والنسور والصقور والبوم والأبواز، وغيرها.
أما إناث أشباه البشر فيتعين عليهن أن يراقبن صغارهن عن كثب دائما، وليس من المنطقي أن يستخدمن عصيا حادة كأسلحة أثناء حمل أطفالهن بين أذرعهن؛ بناء على ذلك كانت إناث أشباه البشر يستخدمن أدواتهن الطويلة الحادة كعصي حفر ليخرجن من الأرض الجذور والدرنات القابلة للأكل التي يستعصي على القردة والسعادين بدرجة كبيرة الوصول إليها، بل من المحتمل أن تكون الإناث هن من اخترع تلك العصي الحادة في الأصل لجمع الغذاء الموجود تحت الأرض، ولم يتبنها الذكور للصيد إلا لاحقا. في كلتا الحالتين سمحت هذه التقنية البدائية لكلا الجنسين بتوسيع نطاق الغذاء المتاح لهم بدرجة كبيرة. ومع رسوخ هذه التغييرات تبنى أشباه البشر نوعا آخر غير مألوف مطلقا من سلوكيات الحصول على الغذاء: كان كل من الذكور والإناث يحضرون شتى أنواع الطعام إلى مقرهم المشترك في نهاية اليوم، حيث تتقاسم الإناث ثمرات مجهودها ويتقاسم الذكور غنائم صيدهم. «أشباه البشر هم النوع الحيواني الوحيد الذي يصطاد فيه الذكور وتبحث فيه الإناث عن الغذاء، وكلا الجنسين يتقاسمان مختلف أنواع الغذاء التي يحصلون عليها.» علاوة على ذلك، يرتبط هذا النمط الفريد من اقتسام الطعام بين الجنسين ارتباطا وثيقا بتوفر العلاقات الجنسية المفتوحة بصفة شبه مستمرة لدى أشباه البشر. حتى نفهم كيف تطور هذا النمط غير المألوف للغاية، من الأهمية أن ندرك الأعباء الجسيمة للأمومة المرتبطة بتوالد أشباه البشر؛ فهذه ليست أشق أعباء للأمومة بين كل أنواع الرئيسيات فحسب، لكنها أيضا الأثقل بين أعباء الأمومة لدى كل إناث الثدييات.
حين تلمس بإصبعك كف طفل مولود حديثا، سيقبض على إصبعك بقوة مدهشة. منعكس القبض هذا، الذي يختفي في الأسابيع الأولى من العمر، هو بقايا غريزة قوية ورثناها من أسلافنا من الرئيسيات؛ فقد كان الغرض الرئيسي منه هو ضمان أن يظل كل وليد من الرئيسيات متعلقا بفراء أمه بإصرار دائم، بما أن الاتصال الجسدي المستمر بأمه هو الملجأ الوحيد للأمان وشيء مهم لبقائه على قيد الحياة. هكذا يتعلق وليد الرئيسيات بجسد أمه بأطرافه الأربعة خلال الأسابيع الأولى من حياته، معلقا بخاصرتها بالمقلوب مثل حيوان الكسلان وهو يتدلى من غصون الأشجار. وحتى بعد انتهاء مرحلة الطفولة، يظل طفل الرئيسيات شهورا يمتطي ظهر أمه أو كتفيها - أو سنوات حتى في بعض الحالات - قبل أن يتعلم أخيرا أن يتحرك وحده في أمان.
رابطة الأمومة تكون في أقوى حالاتها لدى الرئيسيات لأنها مقدر لها أن تعيش على الأشجار، حيث يتعرض أطفالها على الدوام لخطر السقوط فتلقى حتفها؛ لذا لا بد أن تكون أمهات الرئيسيات من لحظة الميلاد على اتصال بدني وثيق بصغارهن أينما ذهبن. وفي هذا تناقض صارخ مع أغلب الثدييات التي تعيش على الأرض، التي إما تخفي صغارها في جحور (مثل الأرانب والثعالب)، وإما تستطيع السير منذ يوم ولادتها (مثل الخيل والأفيال). منعكس القبض لدى رضيع الرئيسيات يتيح لأنثى السعدان أو القرد استخدام الأطراف الأربعة كلها في الحركة وجمع الطعام؛ إذ لا تضطر لحمل رضيعها لأنه يتشبث بها بنفسه. هكذا تستطيع التسلق والقفز وقطف الثمرات والفرار من أعدائها والتأرجح من فروع الأشجار، مستخدمة أطرافها الأربعة القوية كلها، شاعرة بالطمأنينة لمعرفة أن طفلها متعلق بها مثل البرنقيل ولن يتركها أبدا.
Bog aan la aqoon