Bila Quyud
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Noocyada
أخيرا، تطلب الأمر تحول القدمين اللتين تقبضان على الأشياء وإصبع القدم الكبيرة المواجهة لبقية الأصابع، وهو خصيصة مألوفة لدى كل الرئيسيات الأخرى، تحولا كاملا. في مرحلة مبكرة جدا من تطور الإنسان، بدأ «إبهام» القدم فعلا تغادر مكانها من جانب القدم إلى المقدمة. إذا نظرت إلى إبهام القدم الخلفية لدى الشمبانزي أو الغوريلا، سترى أنها واقعة على جانب القدم مواجهة للأصابع الأخرى، مثل الإبهام في يد البشر. وهذا ضروري للتشبث بالساقين الخلفيتين عند تسلق فروع الأشجار، لكنه غير مناسب للسير على سطح الأرض المستوي. هكذا انتقلت هذه الإبهام القابضة من مكانها الأصلي المواجه لأصابع القدم الأربعة الأخرى إلى مكان جديد حين اصطفت مع أصابع القدم الأخرى؛ مما يتيح لأصابع القدم الخمسة كلها أن تكون في الاتجاه نفسه. في هذه المرحلة صارت إبهام القرد إصبع القدم الكبرى لدى الإنسان.
في الوقت نفسه استطال أخمص القدم مؤديا في النهاية إلى تطور قوس مميز، وصارت «أصابع» القدمين الخلفيتين أقصر، متحولة في النهاية لأصابع القدم الأربعة القصيرة والصغيرة لدى نوعنا، والتي لم تعد قادرة على التشبث بأي شيء، لكنها قادرة تماما على أداء وظيفتها الجديدة من سير وجري لمسافات طويلة على الأرض المنبسطة.
حين يحدث تطور جذري من الرأس لأخمص القدمين في البنية الأساسية لجسد حيوان ما بعد أن ظل يلبي احتياجات أسلافه لعشرات ملايين السنين، لا سيما إن كان التطور في فترة قصيرة من الزمن الجيولوجي، يمكننا افتراض تدخل عوامل تطور قوية، لكن ظل العلماء يحاولون الوصول إلى اتفاق بشأن ماهية عوامل التطور هذه. في الواقع، طرح عدد من النظريات المختلفة لتفسير السبب وراء شروع أسلافنا في التطور إلى وضعية القامة المنتصبة والحركة على قدمين غير المسبوقتين تفسيرا دقيقا.
سأطرح في هذا الفصل رؤيتي التي مفادها أن تقنية الرماح الخشبية وعصي الحفر - الابتكار الذي لا بد أنه قد بدأ مع قردة ما قبل التاريخ التي تمثل أسلاف أشباه البشر - هي التي أعطت مميزات هائلة للبقاء على قيد الحياة لدرجة تكفل أن تؤدي إلى التطور لوضعية انتصاب القامة بشكل كامل والحركة الفعلية على قدمين. هذا النهج في التفكير طرحه في الأصل تشارلز داروين، وقد دعمه منذ ذلك الوقت العديد من اختصاصيي علم الإنسان المعاصرين كما سنرى، لكن أولا دعونا نستعرض النظريات المتنافسة المتنوعة، ونذكر بإيجاز نقاط ضعف كل منها.
عاش أشباه البشر الأوائل فترة في أفريقيا عصور ما قبل التاريخ حين كانت الغابات تتناقص والمروج تتوسع، وكان يعتقد لوقت طويل أن الحركة على قدمين تطورت في المقام الأول للتكيف مع بيئة حشائش السافانا الأكثر جفافا التي تتسم بمروج تتناثر فيها أشجار متفرقة، والتي كانت تنتشر في أرجاء أفريقيا الاستوائية، وكان يفترض أن السير والركض على ساقين قد مكن أسلاف لوسي من مغادرة بيئتهم الحرجية الأصلية، والرؤية بوضوح أكثر من فوق الحشائش، واجتياز مسافات أكبر وأكبر على الأرض المنبسطة.
5
تعرف هذه باسم «الفرضية القائمة على السافانا»، إلا أنه ثمة مشكلات كبرى في هذه النظرية.
فأولا: كل الأنواع الأخرى التي تعيش على المروج - بما في ذلك الحيوانات العاشبة مثل الظباء والحمر الوحشية، وكذلك اللاحمة مثل الأسود والضباع - هي من ذوات الأربع دون استثناء (في الواقع، كل الثدييات التي تعيش على اليابسة ما عدا أشباه البشر هي من ذوات الأربع). وثانيا: لم يتخذ وضعية القامة المنتصبة أي من الرئيسيات الأخرى التي انتقلت هي الأخرى للحياة على الأرض (من بينها قردة البابون والميمون والفرفت والباتاس)، لكنها بدلا من ذلك نجحت في التكيف مع الحياة في المروج، وهي ما زالت محتفظة بالسير على قوائمها الأربعة.
ثالثا: أقدم دليل تشريحي على الحركة على قدمين يأتينا من بقايا حفرية لكائن شبيه بالقرد يدعى أرديبيتيكوس، الذي ظهر منذ ستة ملايين سنة تقريبا، قبل نشأة لوسي بمليوني عام. وفي انتكاسة كبرى للفرضية القائمة على السافانا، أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الأرديبيتيكوس عاش ومات في بيئة حرجية، ولم يسكن قط المروج على الإطلاق.
اكتشفت بقايا الأرديبيتيكوس الحفرية لأول مرة في وادي الأواش في أثيوبيا عام 1992.
Bog aan la aqoon