Bilowgii Xilliga Btolemiga
بداءة عصر البطالمة: محاضرة ألقيت في المؤتمر الثامن للمجمع المصري للثقافة العلمية
Noocyada
قضت القرارات التي أبرمت في بابل أن يبقى «إقليومنس» (18) وكان من صنائع «فردقاس» وكيلا لبطلميوس، حتى يصبح سلطانه في مصر بمثابة عقبة تشل مطامع الوالي الجديد. ولكن «بطلميوس» استولى على جثة الإسكندر عنوة، متحديا بذلك «فردقاس» مزدريا به، فكانت الحرب المكشوفة بين الوالي ووصي الملك، كما كان منتظرا أن يكون. ولا شك في أن «إقليومنس» كان يستطيع أن يظل عقبة في وجه «بطلميوس»، ما دام هذا يخشى أن يجابه «فردقاس» علانية، أما وقد جابهه جهرة، فلا أقل من أن يوجه «بطلميوس» تهمة إلى «إقليومنس» تنتهي بإدانته، ثم بقتله. ولم يرتب «بطلميوس» في أن «فردقاس» سوف يهاجمه بكل ما يستطيع من قوة، حالما تطلق يده في الأمر. ولكنه برغم هذا، مضى يوسع من أطراف مملكته على شاطئ البحر المتوسط الأفريقي بامتلاك «قورينا» (19)، المستعمرة الإغريقية القديمة، وربائبها من المدن.
وكانت الحرب الأهلية قد استعرت في تلك الأصقاع، خلال عصر الفوضى الذي عقب موت الإسكندر، فرأس مرتزق
Condottiere «إسبرطي» يدعى «ثبرون» (20) أحد الأحزاب، ورأس كريتي يدعى «إمنا سقلس» (21) حزبا آخر. فهبط مصر لاجئون من الحزب المهزوم يتشفعون بواليها أن يتدخل في الأمر، فأرسل «بطلميوس» قوة حربية، برية وبحرية، تحت إمرة «أفلاس» (22) وهو «أولنثي» (23) كان في خدمته؛ ليحتل البلاد. فجمع المرتزقان قواهما ليواجهاه بها، غير أن «أفلاس» نكل بهما، وأسر «ثبرون» وصلبه. ثم وفد «بطلميوس» بنفسه ليفتح «قورينا» وكان ذلك في أواخر سنة 322ق.م.
ولا شك في أن إذلال دويلة نبه ذكرها ولمع سناها، بيد عامل مقدوني، ومن ورائها تقاليد قرن بطوله متعت فيه منذ أن سقطت أسرتها الإغريقية الحاكمة بالحرية الجمهورية، كان حدثا له أثره البالغ في العالم الإغريقي. ولم يسبق لأهل «قورينا» أن عالجوا الخضوع وذلة الحكم الأجنبي؛ ولذا قدر لأهل هذه المدينة أن يكونوا في مستقبل أيامهم شوكة حادة في جنب الملوك المقدونيين في مصر، بدل أن يكونوا مصدر قوة وعزة لهم. ومع هذا فقد أمدت قورينا مصر البطلمية، كما أمدت أيرلندا بلاد بريطانيا، بعدد من الرجال النابهين مثل «قليماخوس» (24) الشاعر و«أراطوثنيس» (25) الجغرافي، وعدد عديد من رجال الحرب. فإن قراطيس البردي تحصي من القواد المستعمرين للفيوم ومصر العليا، عددا من «القورينيين» تلفت نسبته الأنظار، وترك بطلميوس «أفلاس» حاكما على تلك البقاع إلى حين.
وحدث هجوم «فردقاس» على مصر في خريف سنة 321ق.م ولقد ظهر في تلك الآونة مقدار الحكمة التي أبداها «بطلميوس» في أن يتخذ لقوته قاعدة برية يصعب مهاجمتها؛ فإن «فردقاس» عجز عن أن يقتحم فرع النيل الشرقي، وقتل في معسكره. وكان من الجائز أن يظفر «بطلميوس» إذ ذاك إلى مكانته، ولكنه كان يعلم حق العلم، أن من الأصوب أن يظل حاكما لمصر، على أن يكون وصيا على القيصرية.
كذلك حدث في خريف سنة 321ق.م أن عقد المنتصرون من زعماء الحزب الذي كان ينابذ «فرقاس» اجتماعا في «إتريفاراديسوس» (26)، وهي محلة يظهر أنها كانت في ناحية ما من شمال سورية، وأبرموا اتفاقا جديدا، أقروا فيه توزيع الوظائف وحكم الولايات في أنحاء القيصرية، وتم على أن يظل لبطلميوس الولاية على مصر وبرقة.
في خلال أربعين سنة تلت ذلك العهد، وهي سنون اشتعلت فيها نيران الخلاف بين الزعماء المقدونيين الذين تعلموا فن الحرب تحت إمرة الإسكندر، ظل «بطلميوس بن لاغوس» في ولايته الأفريقية، آمنا أمن السلحفاة حوتها الصدفة، والجيوش تمر رواحا وجيئة عبر آسيا، والأساطيل تطاحن في بحر «أيغا».
غير أن «بطلميوس» كان يخرج بعض الأحيان من صدفته، ولكن بقصد وقدر؛ ليشترك في الملحمة الدائرة، ذلك بأن القوة الحربية التي حكمت مصر بعد الفراعنة كانت ذات صبغة هلينية (27)، ولها علاقات عديدة - سياسية واقتصادية وثقافية - بغيرها من الدويلات الإغريقية الأخرى. وأخذت هذه القوة تولي وجهها شطر الشمال؛ أي في اتجاه البحر، ومن خلال الإسكندرية، وملء نفسها مصالح لم تجش في صدر أحد من وطنيي الفراعنة.
وفي الوقت الذي رغب فيه «بطلميوس» رغبة صادقة في أن يظل كرسيه وقوته في أمن وسلام في داخل إقليم النيل، مضى يتطلع إلى أقاليم مجاورة يحتلها؛ لتكون لمصر ربائب وتوابع، وأن يكون له من الجزائر وشواطئ بحر الروم مواطن ارتكاز تأوي إليها قواته الحربية: برية وبحرية؛ ذلك بأن مصر البطلمية قد أصبحت دولة أكثر نشدانا لمصالحها في حوض البحر المتوسط منها دولة أفريقية، على العكس من مصر الفرعونية، وقد كانت تمد سلطانها أحيانا إلى جوف السودان؛ فإن البطالمة لم يعنوا أبدا بأن يغزوا من أعالي النيل أرضا تقع بعد الشلال الأول. ولكن «بطلميوس» أحب أن يملك جنوب سورية، كما أحب ذلك الفراعنة الذين درجوا من قبله؛ لتصبح دريئته من الشرق، كما أن برقة دريئته من الغرب. وأحب أيضا أن يملك جزيرة قبرص، كما فعل الملك «أحمس» (28) في القرن السادس قبل الميلاد، وأن يتقدم خطوة أخرى فيبسط سلطانه على أغارقة الجزر الأيغية (29)، وعلى بقاع من آسيا الصغرى، بل على بقاع من إغريقية القديمة بالذات.
وإلى هذا الحد حاول «بطلميوس» أن يمتد إلى خارج صدفته، ليخاطر ويمعن في المخاطرة؛ فإن مصر إذا شاءت أن تصبح دولة قوية هانئة، معتدا بها في معترك السياسة والتجارة العالميين، فإنها لن تصل إلى ذلك إذا هي بقيت حبيسة في داخل حدودها، مكفية الحاجة بغلاتها، منها وإليها ؛ فإن الخشب الضخمة التي ينتفع بها في بناء السفن، لا أثر لها في وادي النيل، وكانت ترد مصر من جبال «لبنان» ومن تلال «قبرص». والطريق التجاري الذي كان يختط طوال النيل من الإسكندرية وإليها، كان له خصيم؛ هو ذلك الطريق الذي كان يمر من خليج العجم عبر بلاد العرب إلى «غزة»، ولا شبهة في أن من فائدة من يحكم مصر، أن يحتكم في الطريقين معا. •••
Bog aan la aqoon